الشاعر هنري زغيب
في دراسةٍ قانونيةٍ مقارِنة، موثَّقةٍ تاريخيةٍ معمقة، أَصدر المستشار في مجلس الشُّورى القاضي زياد أَنطوان أَيوب كتابه المرجعيّ “الجمعيات في لبنان بين التشريع والاجتهاد” عن “المؤَسسة الحديثة للكتاب” في 575 صفحة قطعاً كبيراً، ومقدِّمةٍ من رئيسة هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل القاضية ماري دنيز المعوشي التي وسَمَت الموضوع بــ”ذي انعكاساتٍ وارتداداتٍ إِيجابيةٍ على مجالات الحياة العامة من شخصية واجتماعية وسياسية واقتصادية وعلمية وثقافية، مع أَن القوانين التي تحكمُه صادرةٌ منذ السلطنة العثمانية والانتداب الفرنسي”.
وأَكّد المؤَلف في مستهلّ الكتاب أَنّ حُرّية الجمعيات “أُمُّ سائر الحريات”، لأَنّ الجمعيات تنظِّم حريةَ التجمُّع وحريةَ التعبير والحريةَ النقابية والحريةَ الدينية والحقَّ الجَماعي بمراجعة القضاء. ويوضح أَن الجمعيات اليوم من ركائز تطوُّر الحياة الديمقراطية في أَيِّ بلدٍ لأَنّ لها قدرةً توفِّر التضامن الاجتماعي بين الأَفراد بتوحيد معلوماتهم ونشاطهم بما يُسهم في تطوير المجتمع. وتالياً تكون حريةُ الجمعيات في العمل والتحرُّك هي المعيار الرئيس لتقييم حقوقِ الإِنسان وحقيقةِ الديمقراطية في أَيِّ بلد، لأَن الجمعيات بوتقةٌ أُولى للعمل في المجتمع المدني، وكيانٌ جَماعي يؤَسسه أَفرادٌ لتقديم مصالح مشتركة فينتظمون بتوحيد معلوماتهم ونشاطهم لتحقيق هدفٍ عام لا يتم إِلاّ في مناخ من الحرية المسؤولة. وهكذا تــتَّــضح أَهمية الجمعيات في البلد الديمقراطي لإِنجاح تَحَرُّك المجتمع المدني الذي غالباً ما يكون رديفاً، وربما أَساساً، لتحَرُّك القطاع العام مسؤُولين وناشطين.
في هذا الإِطار الـمُهمّ من دور الجمعيات وضع القاضي زياد أَيوب كتابه في ستة أَقسام موسَّعة تَناول في الأَول منها تأْسيسَ الجمعية تعريفاً وتشريعاتٍ وشخصيةً معنوية، وخصَّص القسمَ الثاني لعمل الجمعية أَنظمةً أَساسيةً وداخليةً وأَعضاءَ وهيئةً داخليةً وعلاقةً بين الأَعضاء ومع الغير، وعالج في القسم الثالث أَبرزَ القواعد لـحُسْن إِدارة الجمعيات تسيـيراً وواجباتٍ وضوابط، وفي القسم الرابع حَلَّ الجمعيةِ وبُطْلانَها وتوزيعَ أَموالِـها وأَرباحِها، وبعد القسم الخامس عن اتحاد الجمعيات عمَلاً واتِّحاداً وحلاً، خَتَم في القسم السادس بالجمعيات الأَجنبية تعريفاً ونظاماً وتأْسيساً وسَيرَ عمل، وأَنهى الكتاب بأَحَدَعَشَر ملحقاً توثيقياً لنماذجَ ومستنداتٍ وأَحكامٍ أَغنَت الكتاب فجاء مرجِعاً قانونياً ووثائقياً ضرورياً للباحثين والمهتمّين ومُنشئِي الجمعيات والناشطين فيها عاملين على خدمة المجتمع المدني وتالياً خدمة الشأْن العام.
الكتاب مرجِعٌ آخر عن مزاولة الديمقراطية في لبنان وأَهمية الحرية والانفتاح.
وهي هذه، في جوهرها الأَعمق، رسالة لبنان.
******
(*) إِذاعة “صوت لبنان” – برنامج “حرفٌ من كتاب”