الكاتبة غرازييلا عواد
غربال العسل، للشاعر قزحيا ساسين، ديوان آتٍ على حصان أبيض. أمير يرفض سكنى القصور، ويبحث عن جوع الفقراء ليشهر سيفه ويدمّره.
في قصائده لحن عامي قديم يرهص بعامية جديدة عنوانها الرغيف، بطلها إنسان يشتهي أن ينتقل رغيف الخبز من عينيه إلى يديه. بطلها وجه يبحث عن قناع ليخفي ذلّ السؤال، وظمأَ ماء الوجه المهرق على موائد الأغنياء.
أن تقرأ الديوان أمر فوق طاقتك والمشاعر. تذوب في إنسانية الإنسان والشاعر. غربال العسل لا يُقرأ؛ إنّه يُصلّى وكفى.
يلفت نظرك عنوان الكتاب. تزعجك العلاقة بين طرفيه. تحار كيف تأكل العسل المتساقط من الغربال كأنّه حبات قمح. هل يُغربل العسل؟
ولكنك حين تخلع القناع عن العسل تدرك أنه رمز للكلام الجميل المنقّى حبة حبة، على بيدر المشاعر الإنسانية المرهفة. وتدرك النزعة النرجسية التي وصف من خلالها الشاعر ديوانه: شعر كالعسل.
وحين تنسى إصابتك بارتفاع نسبة السكّر في الدم، وتسعى للتحلية بالعسل الصافي ، فإنك لن تجد إلا المرارة في الداخل. مرارة الجوع والفقر، مرارة الفقير الذي “شلّش فيه الجوع”، وضياع الوجه الذي تساقطت أوراقه كأوراق “روزنامة بلا قلب” . تلك الروزنامة/ الزمن التي يحاربها الإنسان فتغلبه. يذوب هو، يتعرّى، وتبقى هي جديدة، تظهر عدميته في مقابل خلودها. ولا يملك الشاعر الا إفراغ حبر قصيدته على الورق، فينتهي الحبر، ويعطش الورق إلى المزيد، ولا يروي غليله إلا القبر. يقول الشاعر في قصيدة بعنوان توابيت من ورق:
ساعة رمل… شفت القصيدِه من زمان
هيِّه وعم بتفضا قبالي المحبرَه
وتمدّ حِبرا عا ورق عطشان
عم تنتلي بتكون فيِّي المقبرَه
ولعلّ صورة ساعة الرمل إيحاء نفسيّ بيباب هذه الحياة، التي لا تساوي أكثر من حفنة رمل، تنتقل من ضفة إلى أخرى، يلهو بها القدر والزمن ، مقرراً مصير الإنسان.
شاعرنا الكبير ساسين غربالك لن يشبع جوعنا إلى الشعرالعسل، في قفير الوجود. قصائده ، كما قال البحتري، لُمح تكتفي بالإشارة. ولكنه سيزرع إبداعه في أرضنا الطيبة، ويأتي بسنابل وفيرة الغلال.
*****
(*) موقع mon liban
*****
(*) تنظم الحركة الثقافية- أنطلياس لقاء حول ديوان “غربال العسل” للشاعر قزحيا ساسين السادسة والنصف مساء الخميس 30 إبريل في دير مار الياس – أنطلياس، مسرح الأخوين رحباني. يتحدث عن الديوان: الأديب والإعلامي إيلي صليبي، يقرأ منه: أمال فخري والشاعر طوني خزامي، تقدم اللقاء الإعلامية جويل فضّول.