عاصفة الحزم:” الكسالى والتنابل والفاشلون” يصنعون التاريخ وينتفضون لأمنهم القومي

د. عبد الرؤوف سنّو (أستاذ جامعي)

من ميزة الإعلام المرئي والمقروء في لبنان أنه يكشف المتحاورين والكتاب وذلات ألسنتهم وأقلامهم، لا sinoبل حقيقة ما في دواخلهم من آراء ومواقف، عندما تخرج من دون وعي نتيجة انفعال وتعصب. وما نشاهده في التلفاز ونقرأه في الصحف من قبل أتباع إيران، بعد خطاب حسن نصرالله الأخير، هو نوع مشابه من النقاش الحاد النابي والجارح الذي يحمل مشاعر الحقد والكراهية تجاه السعودية وقياداتها.

باختصار، يدور حديث أتباع إيران حول “عاصفة الحزم” في الموضوعات الآتية: “العدوان السعودي على اليمن”؛ وصف السعودية بـ “الصحراء القاحلة والظلامية” و”العقل الصحراوي الظلامي”؛ التنصل من العروبة؛ وأخيراً براءة إيران من التدخل في ما يحدث في اليمن.

تحرير اليمن.. وليس الاعتداء عليه

في موضوع “العدوان السعودي على اليمن”، تٌساق تهم مفبركة جزافاً بأن المملكة “تتمرجل” على الشعب اليمني الفقير، وتقوم بتقتيل الأطفال والشيوخ والنساء، وأن إيران سوف تتدخل في اليمن في الوقت المناسب بعد الانتهاء من ملفها النووي مع الغرب، حتى أن الصحافي غسان جواد أعطى خلال مقابلة له مع وليد عبود في برنامج “بموضوعية” مهلة شهرين لقضاء إيران على “عاصفة الحزم”. إشارة إلى أن الحوثيين، وفق تقارير منظمات دولية، هم الذين يستهدفون المدنيين العزّل، ويمنعون وصول المؤن إلى مناطق في عدن. وترى الأقلام المأجورة لإيران في حلمتها الممنهجة على السعودية أن ما يقوم به التحالف لتحرير اليمن من الإنقلابيين (عاصفة الحزم) هو عدوان سافر على بلد مستقل، يقوم شعبه (الحوثيون) بتقرير مصيره بنفسه. والسؤال الذي يطرح نفسه: كيف يمكن لأقلية بنسبة 5% أو 6% من السكان، أن تدعي تقرير مصير 27 مليوناً من اليمنيين؟ وفي إعلام أتباع إيران، يجري تضخيم أعداد الحوثيين وجعل جيشهم من نصف مليون مقاتل للتخويف (غسان جواد، برنامج بموضوعية).

إن استخدام مصطلح “العدوان” لوصف الإجراءات العربية ضد الانقلابيين في اليمن، لا ينطبق على الواقع. فالسعودية تدافع عن الشرعية اليمنية التي استجارت بها، ولا تخوض حرباً مذهبية. على العكس من ذلك، فما حدث على أيدي تحالف الحوثيين وأتباع علي صالح هو عدوان مزدوج: أولاً على المبادرة الخليجية للعام 2011 التي قبل بها مجلس الأمن الدولي، ووافق عليها الجميع في اليمن، وأتت بالرئيس هادي إلى السلطة بموجب انتخابات شباط 2012 وتشكيل حكومة شرعية. وقد تواصل عدوان الحوثي – صالح قدماً في العامين 2014 و2015، من خلال الاعتصامات واحتلال المؤسسات ونهب الثكن والمستودعات العسكرية، واجتياح المحافظات الشمالية ثم الجنوبية والمنافذ البحرية، وأخيراً أسر الرئيس هادي وحكومته، ولا ننسى دفع ألوية الجيش إلى الانقلاب على الحكم الشرعي في البلاد. فكانوا يتلطون وراء مطالب اجتماعية، في حين أن غرضهم سياسي – اقتصادي، وهو السيطرة على اليمن بمناطقه وموارده ومنافذه لصالح إيران. فإذا كانت مطالبهم اجتماعية – معيشية، فلماذا يتمددون نحو عدن؟ أما الشق الآخر من العدوان المزدوج من قبل تحالف الحوثي – صالح، فكان على الجزيرة العربية وممراتها المائية من ناحية البحر الأحمر، وعلى السعودية نفسها، بل على الأمنين القومي العربي.

بتصميم وعن سابق إصرار، يستعمل الصحافيون أتباع إيران مصطلح “العدوان السعودي على اليمن”. فلو كانت المملكة معتدية بالفعل، كما يدور في مخيلة هؤلاء، لكانت قامت بذلك خلال العامين 2009 و2010، يوم أعتدى الحوثيون على الأراضي السعودية. وبعد استلائهم على صنعاء في أيلول 2014 وتهديد الشرعية والاستقرار السياسي في البلاد مع علي عبد الله صالح، لم يحرك السعوديون ساكناً، بل دعوا تكراراً إلى حوار وطني يمني تحت مظلة المبادرة الخليجية، فيما كانت حجافل الحوثيين وجماعة صالح تقضم اليمن محافظة محافظة بلا قتال، بل بتوطوء من “جيش عبدالله صالح”. كان عليها أن تتدخل مبكراً للدفاع عن الشرعية في اليمن، وضد ما يتهدد أمنها القومي. لكنها آثرت، كعادتها، الدبلوماسية والدعوة إلى الحوار. وعندما أصبح عدوان الحوثيين ومن معهم يدق على أبواب المملكة في الجنوب، عبر تطاولهم على أمنها بإجراء مناورات تحدٍ عسكرية على حدودها بالأسلحة الثقيلة، وفي الوقت نفسه، وصولهم إلى سواحل البحر الأحمر في الحديدة، وبعدها إلى مقربة من باب المندب الممر المائي الدولي، تحركت المملكة للدفاع عن أمنها الوطني والقومي العربي. وقد شاركتها مصر، المنشغلة بالإرهاب في الداخل، في الدفاع عن الممر المائي إلى قناة السويس الذي تستخدمه 25 ألف سفينة سنوياً. كذلك، وجدت دول خليجية أخرى أن كماشة إيران بدأت تضيق عليها بشكل سافر من كل الجهات: من الخليج العربي العربي، ومن البحر الأحمر (العربي)، ومن العراق في الشمال، بعدما أخذت ميليشيات إيران وحرسها الثوري تملأ الفراغ الذي خلفه “داعش”. وبذلك كانت إيران تسعى إلى استكمال “قوسها” الفارسي من ضفة المتوسط إلى ضفة باب المندب، ولا يعيقها عن استكماله سوى وجود الأردن والسعودية قبل نهايته. من هنا، كثر الحديث عن وجوب إسقاط الحكم السعودي، حتى أن بعض الأبواق طالبت بأن تُنتزع الأماكن المقدسة من إشراف آل سعود ورعايتهم.

ويذكر الجميع مؤامرات إيران الأخيرة في البحرين خلال “الربيع العربي”، وما تفعله في سورية ولبنان واستتباعها منظمة “حماس”. ولا نعتقد أن هناك دولة في العالم تقبل أن يُهدد أمنها القومي بهذا الشكل، وتصبر على ذلك كل هذه المدة؟ لقد أيدت كل دول العالم الحر سياسة المملكة والدول المعنية في الدفاع عن نفسها ضد تهديد أمنها القومي والأمن والعربي. فهذا ليس عدواناً، بل دفاعاً عن النفس وفق كل الشرائع، فعلى المحرضين ضد السعودية أن يقرأوا شرعة الأمم المتحدة، إذا كانوا يؤمنون بهذه المنظمة العالمية.

السعودية ليست صحراء قاحلة بل ينابيع الخير والاسترزاق

من الافتراءات التي يروجها إعلام حزب الله وصف السعودية بـ “الصحراء القاحلة والظلامية”، وبأنها “عقل صحراوي ظلامي”، ما يدل على القحل الذي يسيطر على تفكير أتباع إيران. فلا بد أن من يروج ذلك قد سمع هذا الكلام من والده نقلاً عن جده من أن السعودية صحراء. لكن سواعد السعوديين ونِعم الله عليهم وما أكثرها، حوّلت هذه “الصحراء” إلى حاضرة عالمية وإلى حقل للتنمية المستدامة في شتى الميادين. وما على المتضررين من “عاصفة الحزم” سوى أن يسألوا أصدقاءهم أو أقرباءهم، أو أهل قراهم الذين يرتزقون في الخليج، وفي المملكة تحديداً، عن السعودية اليوم، كيف أصبحت عليه هذه البلاد “الصحراوية القاحلة؟ فإذا كانت صحراء قاحلة بالفعل، فكيف يرتزق أقرباؤهم وأصدقاؤهم وأهل قراهم؟ من رعي الإبل؟ وعندما طردت بعض دول الخليج أـشخاصاً لبنانيين غير مرغوب بهم لعلاقاتهم بنشاطات مشبوهة، أخذتم تنوحون. واليوم تعرضون بسياستكم الهوجاء مصير رعايا أخرين للمصير نفسه. إشارة إلى هناك 200 ألف لبناني يعملون في السعودية، بكل الرعاية والكرامة والاحترام، بعضهم جنى ثروات ضخمة من تلك “الصحراء”. وهناك 9 ملايين أجنبي يعيشون ويرتزقون من وجودهم في بلاد الخير.

وهاهي بعض الوقائع عن السعودية التي لا تريدون أن تعترفوا بها، لأنكم تقرأون في كتاب واحد معروف مؤلفه.

تشير مؤسسة Brookings Institution في تصنيفها للعام 2011 أن مدينتي “جدة” و”الرياض” أضحتا الأسرع نمواً من بين 200 مدينة حول العالم، بعد مدينة شانغهاي (Shanghai) الصينية. والسعودية عضو في “منظمة التجارة العالمية” منذ العام 2005، وفي “مجموعة العشرين” (G20) منذ العام 2008، وهي من ضمن أكبر 10 اقتصادات في العالم. كما أنها عضو في منظمات وصناديق مالية دولية رقابية وائتمانية. و”السعودية الصحراء القاحلة”، تبني منذ العام 1975 أكثر من 40 مدينة صناعية في قلب الصحراء. هل سمعتم بالجبيل 1 و2، وبينبع ورأس الخير ورابغ، و”مدينة المعرفة الاقتصادية”، و”مدينة الملك عبدالله الاقتصادية”، و”مركز الملك عبدالله المالي” في الرياض؟ والمملكة، أيها السادة، من أهم الدول في انتاج البتروكيماويات وتصديرها. وقد أقامت عشرات الجامعات الحديثة، يتمتع بعضها بجودة عالمية وفق مؤشرات الجودة المعروفة التي يمكن أن تسألوا عنها. كما أرسلت 200 ألف مبتعث إلى جامعات العالم للدراسات العليا، من ضمنهم 100 ألف في الولايات المتحدة وحدها. وهناك نسبة 30% من المبتعثين من الفتيات. وأنشأت المملكة في السنوات القليلة الماضية 132 مستشفى جديداً وخمس مدن طبية في طول البلاد وعرضهاـ، وتعمل على التنمية الإسكانية بأضخم مشروع إسكان في العالم يتضمن بناء 500 ألف وحدة سكنية، أنجز منها 70 ألفاً حتى اليوم.

وبالنسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي السعودي، فبلغ في العام 2014 (752) مليار دولار أميركي، فيما وصلت الاحتياطات في الأصول إلى الرقم نفسه. وتعمل السعودية على التنمية البشرية المستدامة لمختلف قطاعات الانتاج والخدمات. وتصرف 36% من موازنتها السنوية على التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية، من ضمنها 25% على التعليم وحده، وهو الأعلى في العالم. فهل تُرمى هذه الأموال في الصحراء القاحلة؟ لقد حقق مستوى دخل الفرد السعودي 30 ألف دولار في السنة المنصرمة باعتراف “البنك الدولي”

أما “الصحراء القاحلة” ثقافياً، فهي منبر ثقافي دولي، عبر مهرجان الجنادرية السنوي، و”مكتبة الملك عبدالعزيز العامة بالرياض”، و”مؤسسة الملك عبدالعزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والإنسانية” في المغرب وغيرها، وقد أصبحت هذه المراكز شعلة للحوار الثقافي والعلمي بين علماء العالم ومفكريه. ونشير إلى “مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية”، الذي يرعى اللغة العربية ويحافظ على أصالتها. فضلاً عن ذلك، فهناك “جائزة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة”، و”الفهرس العربي الموحد” الذي يخدم المكتبات العربية في بيئة تعاون رقمية، و”بوابة المكتبات السعودية” التي تخدم الباحثين عبر حصر مقتنيات المكتبات السعودية والعربية. والمملكة العربية السعودية هي الأولى في العالم العربي، والخامسة عالمياً، من بين الدول التي تستخدم الخدمات الحكومية الإلكترونية.

وأود أن أذكّر المتحاملين على المملكة بأنها أطلقت منذ العام 2003 حواراً ثقافياً بين مكونات المجتمع السعودي حول الكثير من القضايا الداخلية والخارجية وعلاقة السعودي مع “الآخر”، تجسدت إصلاحات اجتماعية واقتصادية للملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز. ويكفي أن يعرف هؤلاء أن سياسة الحوار بين الأديان والثقافات التي أطلقها العاهل السعودي للتعايش بين أتباع الأديان والثقافات، قد جعلت أوروبا وأميركا يفرقان بين الإسلام وبين الإرهاب الذي تقوم به منظمات تدعي الإسلام. فبدأت حوارات برعايته بين الأديان في مدريد في العام 2008، وتواصلت من دون توقف حتى اليوم: في نيويورك وجنيف وباريس وفيينا ودول إفريقية وأميركية جنوبية، وفي السعودية نفسها بعد أسبوعين من رحيل الملك عبدالله. وتُوجت إستراتيجية الحوار بين الأديان بإنشاء “مركز الملك عبدالله للحوار العالمي بين أتباع الأديان والثقافات” في فيينا في العام 2012.

وقد تأكد نجاح مبادرة التعايش بين الأديان التي أطلقها الملك السعودي بقيام الغرب بالفصل بين الإسلام والإرهاب، عندما اتصل الرئيس أوباما بالملك عبدالله عشية شن التحالف الدولي الحرب على “داعش” للتشاور معه حول العملية، وفي اليوم التالي عقدت الدول المتحالفة لقاء تنسيق في جدة. وصدرت تصريحات عن بريطانيا وفرنسا وغيرهما من الدول بأن الحرب على الإرهاب لا علاقة لها بالدين الإسلامي وبالمسلمين. وقد تكرر هذا الفصل بين الإسلام والإرهاب مرة أخرى عقب الاعتداء الإرهابي الذي تعرضت له صحيفة “شارلي إيبدو” (Charlie Hebdo) الباريسيةـ وكل هذا بفضل المملكة.

وانطلاقاً من عروبتها وإسلامها، تدعم “السعودية الصحراء القاحلة” العالمين العربي والإسلامي، فتقدم المساعدات التنموية والمالية والإغاثية إلى البلدان المحتاجة، وإلى منظمات الأمم المتحدة الإنسانية والاجتماعية. وفي العام 2003، وقفت الرياض إلى جانب طهران عندما تعرضت لزلزال قضى على 40 ألف شخص من سكانها. وبين الأعوام 1987 و2007، صرفت أكثر من 266 مليون دولار مساعدات لبلدان إسلامية، وقدمت بين الأعوام 1991 و2007 مساعدات وقروض لدول نامية بقيمة 32 مليار دولار. وفي العام 2013، قُدرت مساعداتها الإنسانية وحدها بـ 109 ملايين دولار. وفي مناسبتين، منحت المملكة 200 مليون دولار لبرنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب.

وعلى كلّ حال، فقد بلغ إجمالي التقديمات السعودية الخارجية بين الأعوام 1990 و2014 (252 مليار ريال)، أي ما يعدل 67.2 مليار دولار أمريكي (252 ملياراً مساعدات سعودية). ووفق الجدول التالي، فقد ارتفعت المساعدات الخارجية السعودية بشكل ملحوظ منذ مطلع القرن الجاري، وبلغ أعلى رقم لها في العامين 2008 -2009، أي أن المملكة حاولت خلال الأزمة المالية العالمية أن تخفّف من تداعياتها على البلدان النامية.

sino

المساعدات السعودية الخارجية 1990-2014

أما عن البلدان العربية فرادى، فقد تلقى اليمن، الذي قال عنه حسن نصرالله إنه فقير ولم تفعل السعودية شيئاً له، مساعدات سعودية ضخمة, فالأرقام تؤكد إن حليف إيران الفاسد علي عبدالله صالح امتص من دم الشعب اليمني وعرقه 60 مليار دولار لجيبه الخاص. وفي السنوات الخمس المنصرمة تلقى اليمن مساعدات تنموية سعودية من مختلف الأنواع بقيمة 3 مليار دولار. وبين كانون الثاني 2011 ونيسان 2014، تعهدت المملكة بتقديم 3.8 مليار دولار إلى اليمن، منها مليار دولار وديعة في “البنك المركزي اليمني” لدعم استقرار العملة الوطنية.

وفي ما يتعلق بلبنان، قدمت السعودية له مبلغ 1.8 مليار دولار أميركي بين الأعوام 1980 و2008 على شكل هبات ومساعدات تنموية وخلافه. وربما يذكر المتحاملون على المملكة أن السعودية دعمت لسنوات الأقساط المدرسية والكتب لأولادهم في المدارس الرسمية التي يؤمها أيضاً الشيعة من حزب الله وحركة أمل. كما دعمت الليرة اللبنانية عبر الودائع في مصرف لبنان، ويمكن لهؤلاء أن يسألوا حاكم “مصرف لبنان” رياض سلامة. وبين الأعوام 2000 و2014، قدمت “الصحراء القاحلة” للبنان 11 مليار دولار مساعدات، ومن ضمنها هبات بقيمة 4 مليارات دولار لدعم الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية ضد الخارج المتآمر على لبنان، وضد من يتآمر في الداخل مع الخارج. وهذا الدعم للجيش والقوى الأمنية كان أيضاً لحماية الضاحية الجنوبية الشيعية التي كانت تتعرض لإعتداءات الإرهابيين نتيجة تدخل حزب الله في سورية.

وعن تقديمات “الصحراء القاحلة” للبنان وجنوبه من مكرمات ومساعدات يوم تسبب العدوان الإسرائيلي بتدمير لبنان في العام 2006، فحدث ولا حرج. فخلال السنتين التاليتين من العدوان (2006 – 2008)، قدمت “الصحراء القاحلة” هبات ومنح إلى “مجلس الإنماء والإعمار” وإلى “الهيئة العليا للإغاثة” بقيمة 746 مليون دولار، شكلت نسبة 40% من إجمالي المساعدات العربية والدولية إلى لبنان. وضمن ما أسهمت به المملكة هو إعادة إعمار 167 قرية في جنوب لبنان، وإعادة بناء 36 عقاراً في الضاحية الجنوبية مؤلفاً من 876 وحدة سكنية. وبالأرقام، بلغ إجمالي المساعدات السعودية إلى محافظات النبطية والجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية ذات الغالبية الشيعية أكثر من 307 مليون دولار، وكل ذلك من دون مِنّة ولا ضجيج. هذا فضلاً عن تقديم التجهيزات للمراكز الاجتماعية والثقافية والصحية الشيعية التي تعرضت للأضرار في الجنوب والبقاع، وتمويل بناء 16 مدرسة جديدة في الجنوب، وإعادة إعمار البنى التحتية. وعرفاناً بيد الخير الذي قدمته المملكة في مناطق سيطرته في الجنوب، رفع حزب الله في الضاحية الجنوبية وعلى الطرقات الرئيسية المؤدية إلى الجنوب شعارات “شكراً قطر”، نكاية بالجميل السعودي. لكن عندما انضمت قطر إلى السعودية في دعم الثورة السورية، أُزيلت الشعارت تلك، وبدأ السباب ينهال على قطر. وعندما سئل الصحافي غسان جواد على التلفاز، كيف أن حزب الله انقلب على قطر، فأجاب: هذه هي السياسة.

أما عن التقديمات السعودية لباقي البلدان العربية، فتعهدت المملكة بين كانون الثاني 2011 ونيسان 2014 بتقديم 22.7 مليار دولار إلى 9 بلدان عربية مجاورة هي: مصر، واليمن التي أتينا على ذكرها، والأردن، والبحرين وعُمان، وفلسطين، والمغرب، والسودان، وجيبوتي، وذلك من أجل ضمان استقرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي في “الربيع العربي”. ولا يدخل ضمن هذا الرقم ما قدّمته إلى الأردن من مساعدات، ولا إلى اللاجئين السوريين. كما لا تدخل مليارات الدولارات الأربعة التي منحها الملك عبدالله خلال العام 1435هـ/2014 لتسليح الجيش اللبناني ضمن مبلغ الـ 22.7 مليارات دولار. وقد أنفقت السعودية من مبلغ 22.7 مليارات دولار 10.9 مليارات، ذهب معظمها إلى مصر.
ويبين الرسم البياني، أن مصر حلّت على رأس الدول العربية المتلقّية للمساعدات السعودية البالغ مجموعها 22.7 مليارات دولار بقيمة 6.5 مليار (29%)، تلتها اليمن 3.8 مليار (17%)، والأردن 3 مليارات (13%)، والبحرين 2.8 مليارات (13)، وعُمان 2.5 مليارات (11%)، وفلسطين 1.8 مليارات (8%)، والمغرب 1.6 مليارات (7%)، والسودان 527 مليون دولار (2%)، وجيبوتي التي حصلت على 68 مليون دولار، أي أقل من 1% من مجموع المبالغ السعودية المرصودة (67 مليار دولار). ونالت حكومة العبادي في العراق دعماً مالياً سعودياً بقينة 500 مليون دولار، وُضعت لدى الأمم المتحدة للصرف على إعادة بناء البلاد.

sino 1

المصدر: 252 ملياراً مساعدات سعودية

وعن القضية الفلسطينية ودعم القضايا العربية، فلا تكفي صفحات للحديث عن أيادي السعودية البيضاء، لا القاحلة. فإلى جانب الدعم السياسي للحقوق الفلسطينية، ورفض سياسة إسرائيل الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس، ودعم الانتفاضتين الفلسطينيتين، وكذلك حلّ سلمي يعيد الحقوق لأصحابها الشرعيين، دعمت المملكة مصر وسورية منذ هزيمة العام 1967، وكانت وراء إعادة الدولتين بناء قوتهما العسكرية وشن الحرب على إسرائيل في العام 1973. كما دعمت المملكة منظمة التحرير الفلسطينية بين الأعوام 1978 و1988 بحوالى 1.1 مليار دولار. وحتى العام 2002، قدمت السعودية حوالى 2.4 مليار دولار إلى القضية الفلسطينية. ومن جراء العدوان الإسرائيلي على غزة في العام 2009، تبرع الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز بمليار دولار. وفي العام 2014، قررت الرياض تخصيص مبلع 580 مليون دولار لإعادة إعمار غزة من جراء تدميرها على أيدي الإسرائيليين في صيف ذلك العام. هذا الدعم لمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية على فلسطين ولبنان، شبهه صحافي لبنان بمثابة تحريك جيش وإعلان حالة التأهّب القصوى لخوض الحرب. وقال: “هذا هو السلوك السعودي التقليدي، وذلك هو السلاح السعودي الاستراتيجي، الذي يستخدم في هذه اللحظات الحرجة من أجل تعديل موازين القوى …” (نور الدين، محطّة). فمن قال إن الحروب تُخاض بالجيوش وحدها؟! ويذكّرنا هذا بسلاح النفط الذي أشهره الملك فيصل في وجه الغرب في العام 1393هـ/1973م، رداً على انحيازه إلى إسرائيل.

وعندما تسنح لأتباع إيران فرصة تأدية مناسك الحج في مكة المكرمة والمدينة المنورة اللتين ترعاهما السعودية برموش عيونها، لا بد أنهم سيشاهدون الانجازات الضخمة التي تحققت في الأماكن المقدسة من قبل خدام الحرمين الشريفين، هذه الأماكن المقدسة التي حاول الحجاج الإيرانيون تشويه قدسيتها بالتخريب والاعتصامات التي قاموا بها في موسم الحج للعام 1987. لقد أصبح الحج بفضل خدام الحرمين الشريفين واجب ومتعة في آن، نظراً إلى الجهود التي بُذلت لتسهيل الحج على عباد الرحمن من كل البلاد الإسلامية، وبكلفة وصلت إلى 100 مليار دولار. هذه السعودية “الصحراء القاحلة” الموجودة فقط في مخيلة أعدائها، هي للخير والعطاء.

القوى الظلامية: من هي؟

أما عن “القوى الظلامية”، فنحن نفهم هذا المصطلح المطاط الذي يُستعاد في أدبياتكم، بأنه عندما تتآمر قوى خائنة في بلد ما في الخفاء ضد شعبها بالتعاون مع أعداء الوطن في الخارج الذين يريدون الإضرار بمصالح البلاد. ولا أعتقد أن في لبنان قوى محلية تتعامل في الخفاء مع السعودية ضد مصلحة الوطن، ولا أن السعودية تنهج سياسة الظلامية. فسياستها علنية محبة للبنان وشعبه. فعليكم أن تفتشوا أنتم عن المتعاملين في الخفاء والعلن مع الخارج ضد لبنان.

خلال حرب لبنان، كانت القوى الظلامية تخطف الطائرات والأجانب لصالح إيران لتحسين مركزها في اللعبة الإقليمية على أرض لبنان. والقوى الظلامية هي التي تستخدم الإسلام واستعادة القدس في خطابها الدعائي، ولم تطلق رصاصة واحدة على إسرائيل، وتحتضن “القاعدة” عندها وتدعي أنها تحارب الإرهاب في العراق. والقوى الظلامية هي النظام السوري، حليف إيران، الذي كان يرسل السيارات المفخخة لتنفجر في العراق بين المدنيين في الأسواق والساحات العامة، لا فرق بين قايل سنّي أو شيعي، باعتراف نوري المالكي نفسه بعد يوم الإربعاء الدامي في العام 2010. لقد حمى النظام الظلامي السوري حدود إسرائيل سراً وعلناً طوال أربعة عقود. ووجّه الفاسد رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد رسالة إلى الإسرائيليين في مطلع ثورة الشعب السوري، قال فيها: “إذا اهتز النظام في سورية، سيهتز النظام الإسرائيلي”، بمعنى أنه طالب إسرائيل برد الجميل إلى النظام السوري الذي حمى حدودها بالدفاع عنه، وهذا ما فعلته إسرائيل بمنع إسقاط النظام المتحالف مع إيران. هذه هي القوى الظلامية التي تعمل في الخفاء وتتأمر على الأمة العربية.

ولكي لا ننسى، فالقوى الظلامية، أيها السادة، التي قامت ثورتها الإسلامية في العام 1979 على مقولة الدفاع عن المستضعفين والمقهورين في العالم والعداء للإمبريالية الأميركية (الشيطان الأكبر) والقضاء على إسرائيل واستعادة القدس، هي إيران الملالي التي كانت تتلقى الأسلحة من إسرائيل خلال حربها ضد العراق، ومن الولايات المتحدة أيضاً عبر إسرائيل خلال عصر الرئيس ريغان وتستخدم أموال المبيعات من قبل الولايات المتحدة لتمويل عصابات “الكونترا” ضد النظام الشيوعي في نيكاراغوا، وهو ما أُطلق عليه اصطلاحاً:ـ “إيران – كونترا” أو “إيران غيت”. وهناك اعترافات بذلك لقيادات إيرانية (رئيس الجمهورية الإيرانية الأسبق أبو الحسن بني صدر) وأميركية وإسرائيلية. وإيران هي التي تقتل اليوم الشعب السوري بقنابلها وصواريخها التي تزود بها النظام الأسدي منذ العام 2011. ولتعطيل الانتخابات الرئاسية في لبنان من خلال حزب الله والعمل في الخفاء، تجعل طهران الحزب يضع على وجهه قناعاً هو ميشال عون. هذه هي القوى الظلامية أيها السادة.

خليج عربي لا فارسي، وإن كره الكارهون

لقد أشار الأستاذ علي حمادة في برنامج “بموضوعية” إلى الخليج ووصفه بالعربي، فاحتد الصحافي غسان جواد، وأصر على فارسيته، ثم أعلن أن ليس لديه عاطفة عربية، مصراً على أن “أهل الشام أسياد السعوديين”. كلام لا طعم له يتناقض مع الانتماء الفارسي. فأهل الشام عرب أقحاح وأحرار لا يبيعون عروبتهم، ويقاتلون نظاماً علوياً مجرماً، فكيف يتباهى بهم، كونه لا عاطفة عروبية لديه؟ هذا ما فعلته “ولاية الفقيه” في عقول بعض اللبنانيين، مع أن كثيراً من الشيعة المناضلين كانوا في عداد حركة القومية العربية إبان المد الناصري.

وأود أن أوسّع معارف من يتنكرون لعروبة الخليج الذي يسمونه الفارسي. لقد استوطنه العرب بضفتيه الغربية والشرقية منذ عهود قديمة. وكل الأثريات والمتروكات تؤكد وجود العرب على الضفة الشرقية للخليج منذ آلاف السنين. فكان لهم هناك قبائل وإمارات مستقلة ومدن قائمة بذاتها وليست مرتبطة بأى شكل من الأشكال بالهضبة الإيرانية، حيث كان الفرس يعتبرون جبال زاغروس ومرتفعاتها حدوداً لهم. ومن أهم الجزر التي امتلكها العرب، بالإضافة إلى هرمز، جزيرة قشم وهنجام وهندرابي وبوشير ولارك وفرور والشيخ شعيب، وقيس وبندر لنجة وصري وجزرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى وجزيرة أبو موسى، وغيرها من الجزر. وهؤلاء العرب كانوا في حراك ما بين الضفتين، فينتقلون من الغرب إلى الشرق وبالعكس، قبل أن تتآمر فارس وبريطانيا عليهم وتهجرهم إلى الضفة الغربية، حتى أن بريطانيا رسمت في القرن التاسع عشر خطاً بحرياً في المنطقة لمنع السفن العربية من الوصول إلى ضفة الخليج الشرقية. فهذه السواحل الشرقية للخليج عربية الهوية والتاريخ، ويمكن التأكد من ذلك من كتاب الرحالة الألماني كارستن نيبور (Karsten Niebuhr) الذي جاء إلى المنطقة في العام 1765، وقال: “يخطئ بعض الجغرافيين اذا اعتبروا أن جزءًا من السواحل العربية في الخليج كانت خاضعة لملوك العجم، بل إن العكس هو الصحيح”. ويضيف قائلاً: “من المضحك تسمية هذا الخليج العربي بالخليج الفارسي، وذلك لأن العرب كانوا يسيطرون على الخليج بشاطئيه الغربي والشرقي”. أما الزعم بأن الرئيس عبد الناصر استعمل مصطلح “الخليج الفارسي”، فهو باطل، لأن الوثيقة التي يتحدثون عنها ينفيها سامي شرف، سكرتير الرئيس عبد الناصر. صحيح أنه قبل الثورة المصرية في العام 1952 كان يُطلق على الخليج صفة الفارسي، إلا أنه مع مجيء عبد الناصر وإبان المد القومي العربي أصبحت التسمية العربية الرسمية “الخليج العربي”، حتى أن الأمم المتحدة تستعمل التسميتين معاً. واللافت أن أتباع إيران أصبحوا يستحضرون الناصرية وصدامها مع السعوديين حول اليمن خلال الستينيات من القرن الماضي، لاستخدامها سياسياً في مقولاتهم ضد المملكة، في حين أنهم تخلوا عن مضمونها العروبي.

إيران “المتقوقعة” في داخل حدودها!؟

أما عن أن إيران لا تتدخل في لبنان وفي اليمن ولا في العالم العربي، وترسل “المن والسلوى” إلى النظام السوري ليوزعها على شعبه، فهو كلام مغاير تماماً للحقيقة التي يعرفها الجميع، حتى أن حسن نصرالله قال إن “كسل وتنبلة وفشل” القادة السعوديين والعرب هو الذي مكّن إيران من تدعيم “حضورها” في العالم العربي، وهذا اعتراف صريح بأنه يريد العرب ضعفاء وفاشلين وتنابلة كي تستطيع إيران تنفيذ مخططاتها المريبة تجاه الوطن العربي. وباستثناء عهدي هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي 1989 – 2005، فلا يمكن الحديث عن نظام فارسي متصالح مع محيطه العربي. فالإيرانيون، تعاطوا مع محيطهم العربي بهجومية منذ قيام جمهوريتهم على أنه أنظمة فاسدة متعاملة مع “الشيطان الأكبر” (الولايات المتحدة الأميركية) يجب القضاء عليها، عبر تصدير ثورتها الإسلامية إليها. هذا الشيطان الأكبر” الذي تفاوضت إيران معه منذ أكثر من سنة، ووقعت معه قبل أيام على اتفاقية إطار في شأن برنامجها النووي –وكل هذا تحت ستار “الممانعة” الكاذبة ضد أميركا وإسرائيل.

ولا يزال العراق ودول الخليج العربية ولبنان من ضمن أهداف الدولة الفارسية منذ العام 1979. ولم يغرد خارج السرب العربي إلا النظام السوري التبعي الذي تحالف مع إيران منذ الحرب العراقية-الإيرانية في العام 1980، ووقع معها معاهدة عسكرية في العام 2006. ومنذ مجيء الرئيس نجاد، وفي ظل المرشد الأعلى علي الخامنئي، بدأت إيران تتدخل أكثر في العراق، وتدعم حزب الله في لبنان للهيمنة على المؤسسات الدستورية والحياة السياسية العامة، وتعلن من وقت إلى آخر عن تبعية البحرين لها وتصر بعنجهية على تبعية الجزر الإماراتية الثلاث لها، فضلاً عن دعم الحوثيين في اليمن بالخبراء من الحرس الثوري منذ العام 2004. وقد جرى ضبط سفن إيرانية في الموانئ اليمنية تهرب الأسلحة إليهم. كما تدخلت إيران وسورية في القضية الفلسطينية، وتسببتا بشرخ بين حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية من أجل مصالحهما الخاصة، فعطلتا تنفيذ اتفاق 8 شباط 2007 الذي رعاه الملك عبدالله (وثيقة مكة).

هكذا، بينما كانت إيران تحيك “القوس الشيعي” عبر العراق وسورية وفلسطين ولبنان، كانت تطور
برنامجها النووي الذي يمكنها من فرض هيمنتها على المنطقة، وتعمل في الوقت نفسه على استكمال “القوس الشيعي” من لبنان إلى سورية فالعراق واليمن حتى باب المندب، ولا تقطعه إلا الأردن والسعودية، وقد مارست الأخيرة ممانعة حقيقية لا زائفة، ووقفت عقبة رئيسية في طريق المشروع الإيراني، وتدعم العرب للتصدي للمشروع القومي الفارسي المشبوه. فأخذ أعداء العروبة يخططون لإسقاطها مع إمكانها المقدسة.

ومع انطلاق “الربيع العربي”، بدأت إيران تروّج فكرة “الشرق الأوسط الإسلامي”، رداً على مقولة “الشرق الأوسط الكبير” الأميركي. فرحّبت بالثورة في تونس، ورأت أن “الربيع العربي” الذي امتد إلى مصر وشاركت فيه حركات وجماعات إسلامية، إنما جاء بإلهام من “ثورتها الإسلامية”. وقد اعتبرت قيادات إيرانية أن الأحداث في العالم العربي هي “هزات ارتدادية للثورة الإسلامية في إيران”. فحاولت اختراق مصر الإخوان المسلمين، وفشلت بانقلاب الجيش والشعب عليهم، فيما حصل تقارب غير مسبوق بين القاهرة والرياض، حيث تلقت الدولة الأولى دعماً سياسياً ومعنوياً ومالياً من المملكة ودول خليجية. فكان هذا التقارب بين البلدين رسالة إلى الإخوان المسلمين وإلى إيران كذلك، بأن مصر ليست إخوانية ولا فارسية. وما لبثت طهران أن تلقت ضربة في السودان، عندما أوقف مؤخراً تسربها فيه عبر إقامة المراكز الثقافية وتقديم المنح الدراسية، وتعليم اللغة الفارسية، ونشر التشيع، وتقوية العلاقات السياسية والعسكرية والأمنية معه. وكان هذا يستهدف الأمنين المصري والخليجي. فارتدت إيران إلى البحرين تحرض الشيعة هناك على “ربيع فارسي” ضد حكومتهم. فكيف تكون مطالب المتظاهرين الشيعة البحرينيين اجتماعية وسياسية داخلية، وهم يرفعون أعلام وصور قيادات إيرانية ومن حزب الله؟ فكان هذا دليلاً كافياً على أن شيعة البحرين يريدون استحضار النفوذ الإيراني إلى بلدهم وجعله جيباً فارسياً في قلب الخليج العربي. ولم تتوقف الهجمة الفارسية على البحرين إلا بدعم عسكري أخوي من السعودية ودولة الإمارات العربية.

sino 2

متظاهرون شيعة في البحرين يرفعون صور الخميني وخامنئي وأعلام حزب الله

sino 3

صورة حسن نصر الله تحملها إحدى المتظاهرات البحرينيات ومن خلفها أعلام “حزب الله”

ومرة أخرى، بدأت إيران تحرض الحوثيين في اليمن للانتفاض على حكومتهم، بعدما فشلت تحرشاتهم بالمملكة في العام 2009. لكن السعودية ودول الخليج مجتمعة استطاعت أن تؤطر “الربيع العربي” في اليمن، من خلال المبادرة الخليجية للعام 2011 وإجراء انتخابات رئاسية أوصلت عبد ربه منصور هادي إلى رئاسة الجمهورية في العام التالي. مع ذلك استمر التحريض الإيراني للحوثيين وللرئيس السابق الفاسد علي عبدالله صالح. فنسيت إيران المستضعفين اليمنيين المقهورين على يد نظام صالح، وباركت حلفاً بينهما ضمن مخطط لإسقاط الحكم الشرعي في البلاد.

وهناك أكثر من دليل على أن الحوثيين ما ثاروا من أجل مطالب اجتماعية أو سياسية، وإنما لاستدعاء إيران إلى الداخل اليمني وتمكينها من موقع اليمن الإستراتيجي على الحدود مع السعودية وعلى بحر عُمان، وفوق كل شيء إشراف عاصمتها الاقتصادية عدن على باب المندب. فلا أحد يمكن أن يصدق أن هناك مطالب اجتماعية-سياسية للحوثيين، اسوة بالشيعة بالبحارنة، فيما هم يرفعون بالتالي صور قيادات إيرانية ومن حزب الله، كما تظهره الصورة.

sino 4

كما في البحرين، كذلك في اليمن، صور للخميني وحسن نصر الله يرفعها متظاهرون حوثيون

وفي استيلائهم على ميناء الحديدة على البحر الأحمر ووصول قواتهم إلى مقربة من باب المندب، يكون الحوثيّون وجماعة الرئيس الفاسد المخلوع علي عبدالله صالح، ومن ورائهم إيران، قد تجاوزوا الخطوط الحمر الخليجية والدولية، نظراً إلى أهمية الممر المائي بالنسبة إلى دول الخليج العربية ومصر (قناة السويس) وإلى التجارة الدولية. إشارة إلى أن إيران كانت تهدد خلال حرب الخليج الأولى والاحتلال الأميركي للعراق بإقفال ممر هرمز أمام التجارة الدولية وإمدادات النفظ إلى الأسواق الخارجية التي تبلغ حوالى ربع الإمدادات العالمية. ومن خلال التدخّل في العراق والبحرين، والاقتراب من باب المندب، يمكن لإيران أن تحاصرة الجزيرة العربية، وبالتحديد المملكة العربية السعودية، ووضع الخليج العربي ومنطقة البحر الأحمر، بين فكي كماشة. هذا “الانفلاش” الإيراني الذي حصل في ظلّ المفاوضات الأمريكية – الإيرانية حول النووي، وتدهور أسعار النفط الذي ترفضه طهران، أدى إلى تداعيات خطيرة على الأمن القومي لبلدان الخليج ومصر وللمصالح الدولية.

إن دور إيران في الانفلاش الممنهج على مساحة البلدان العربية، تفضحه تصريحات كبار مسؤوليها. فقاسم سليماني وميليشياته من “الحرس الثوري” تقاتل في العراق ضد “داعش”، وتملأ الفراغ الذي تخلّفه. وكشفت معركة تكريت عن مخطط إيراني تجاه العراق. فتحدث علي يونسي، مستشار على روحاني لشؤون الأقليات، عن مخطط قومي إيراني خطير، بأن “إيران اليوم أصبحت امبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حالياً، وهي مركز حضارتنا وثقافتنا وهويتنا اليوم كما في الماضي”، في إشارة إلى إعادة إحياء الامبراطورية الفارسية الساسانية قبل الإسلام، التي احتلت العراق وجعلت المدائن عاصمة لها. وحول التواجد العسكري الكثيف لبلاده في العراق لمحاربة “داعش” في الأونة الأخيرة، قال يونسي: إن جغرافية إيران والعراق غير قابلة للتجزئة، وثقافتنا غير قابلة للتفكيك، لذا إما أن نقاتل معاً أو نتحد”. ومن ناحية أخرى، فإن توسّع التحالف بين الحوثي وعلي عبدالله صالح المدعوم إيرانياً والسيطرة على كل اليمن تقريباً، ودخوله إلى مناطق في محافظة عدن، جعل قيادات إيرانية رفيعة تهلل وترفع راية النصر على العروبة، ممتدحة توسّع دولتها في الوطن العربي للإطباق عليه. فقال علي شمخاني، الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني، الذي شغل منصب وزير الدفاع بين الأعوام 1997 و2005م، إن بلاده منعت سقوط بغداد ودمشق وأربيل بأيدي متطرفي (“داعش”)، و”باتت إيران الآن على ضفاف المتوسّط وباب المندب” (إيران: نحن متواجدون). وبرأينا، لم يعد هناك فرق في إيران بين فريق معتدل وآخر متشدد، فالكل ينشد إمبراطورية فارسية على مساحة الشرق الأوسط والإمساك بمفاصله الإستراتيجية.

انتفاضة “التنابل والكسالى والفاشلين”: للأمن القومي العربي

تحت وطأة المفاجأة والصدمة غير المتوقعة، هوجمت عملية “عاصفة الحزم”، لأنها دلت على حزم غير مسبوق للعرب منذ العام 1393هـ|1973، وذلك لتصحيح الخلل الذي تسبب به “السرطان” الإيراني في الجسد العربي. وقد ساء أتباع إيران أن يفشل المخطط الإيراني في مراحله الأخيرة في اليمن، بعدما نجح في لبنان وسورية والعراق. وبدلاً من أن تُستنهض عروبتهم تجاه القرار العربي بقبول التحدي الإيراني، تنشطت “فارسيتهم” فيصفون القيادات العربية بـ “الكسالى والتنابل والفاشلين”، ويهللون لإيران بتمددها و”حضورها” على حساب البلدان العربية. إن السعوديين بالفعل “تنابل وكسالى وفاشلين”، لأنهم لم يعتدوا على جيرانهم يوماً، ولم يتدخلوا في شؤونهم، ولم يرسلوا جيوشهم لاحتلال بلاد الغير، أو التحريض على الانقلاب ضد الحكومات الشرعية. وهذا يعود إلى جنوحهم نحو السلم الإقليمي والدولي. فهم لا يملكون “حرساً ثورياً” للتخريب في بلاد الغير، ولا ميليشيات، بل يستعملون النصيحة والتوجيه والكلمة الصادقة. ولا من مرة، استُخدم تسلّحهم لغرض هجومي. أما أن ينتفض هؤلاء “الكسالى”، فعندها تقوم الدنيا وتقعد عليهم، من دون ذرة مشاعر لعروبة ضاعت في هضاب إيران. على عكس ذلك، استهجن صحافي مستجد مزهواً بفارسيته، عندما قال لمحاوره: لماذا تأتي أميركا من أقاصي الأرض إلى المنطقة، وممنوع على إيران أن تفعل مثلها؟ بكلمات أخرى، أراد القول إن إيران الجمهورية الإسلامية التي تأسست من أجل نصرة المقهورين والمستضعفين، تريد أن تكون إمبريالية كالولايات المتحدة وتهيمن على المنطقة من ضفاف المتوسط إلى ضفاف المندب، وتهدد جيرانها بقوتها العسكرية وتخويفها النووي. إن إطلاق صفة “الكسالى” وما استتبعه من أوصاف، لا ينطبق على “العرب الجدد” الذين تحركوا للدفاع عن أمنهم القومي. ولو بقوا كسالى فاشلين يشاهدون بلادهم ومدنهم تسقط الواحدة بعد الأخرى بيد إيران وأتباعها، لكان أتباع إيران وأدواتها صفقوا لهم وهللوا.

ويعرف اللبنانيون الفرس وقبلهم إيران، أن التحالف العربي- الإسلامي القائم الآن (عاصفة الحزم)، هو لخلق معادلة سياسية إستراتيجية جديدة تقوم على الردع والإمساك بزمام المبادرة، والبعث برسائل إلى طهران ومن يهمه الأمر بأن العرب لن يسمحوا باستهداف أمنهم القومي بعد اليوم. وضمن هذا السياق، تندرج المناورات السعودية الضخمة الأخيرة في ثلاث مناطق في البلاد، التي اعتبرت شكلاً من أشكال التحضير للتصدّي للإرهاب أو لمخطّطات إيران في المنطقة، أو ما يمكن أن يشكّل تهديداً لأمن المملكة والعرب. من هنا، وبالقوات العربية المشتركة التي يجري التباحث في شأنها، سوف تؤسس شبكة دفاع إستراتيجية عربية من ضفاف الأطلسي إلى ضفاف المتوسط، ويكون الوطن العربي عصياً على إيران وأتباعها.

اترك رد