صدر عن مكتب راعويّة الزواج والعائلة التابع للدائرة البطريركيّة المارونيّة في بكركي كتاب بعنوان “الإعداد لسرّ الزواج في الكنيسة المارونيّة في لبنان” باللغتين العربيّة والفرنسيّة للأب الدكتور نجيب بعقليني، أخصائي في راعويّة الزواج والعائلة.
يدخل الكتاب ضمن مجموعة “الكنز” التي تعالج قضايا لاهوتيّة وراعويّة واجتماعيّة من نواحٍ عدّة. تنطلق المجموعة من دراسات معمّقة وأبحاث علميّة، فهي لا تطرح أو تعرض المعضلات فحسب وإنّما تقدّم بعض الأجوبة والحلول لمشكلات وصعوبات تعترض الحياة الاجتماعيّة ولا سيّما الزوجيّة والعائليّة والعلائقيّة منها. وقد صدر عن مجموعة الكنز بعض الكتب، شارك في تأليفها الأب بعقليني مع الدكتورة كلوديا شمعون أبي نادر ومنها: الطريق إلى الزواج، لقاء وعهد، كي نبقى معًا والمرأة والتنمية.
يسلّط هذا البحث الأكاديمي الضوء على الغنى الروحيّ للزواج المسيحيّ وعلى قدسيته، كما وعلى معناه الارتقائي محاولاً إبراز قيمة الزواج الأسراريّ الذي يختاره أبناء الكنيسة المارونيّة، على أمل أن يكون ذلك، عن قناعة ووعي ومعرفة وروحانية صلبة، قادرة على الصمود أمام التحديات الكثيرة ومعرفة مواجهة الصعوبات وإيجاد الحلول لتعقيدات ومشاكل الحياة المشتركة. كما يركّز البحث على إبراز أهمية الإعداد لسرّ الزواج وفاعليته، بالرغم من مظاهر التفلّت والابتعاد عن القيم الأخلاقيّة والإنسانيّة التي تهدّد استمراريّة الحياة الزوجيّة والخطر المُحدِق في تماسك العائلة ووحدتها.
من هنا كان التركيز على صيغة تأهيليّة جديدة، تطرح مواضيع وحيثيّة بالغة الأهمية، إذ تجسّد أُسس الزواج المسيحيّ. فالرؤية الجديدة للإعداد لسرّ الزواج يجب أن تكون أكثر غنى وعمق، وتتكيّف بطريقة أفضل من خلال طرائق متجدّدة ووسائل حديثة وأساليب متنوّعة تلائم احتياجات ومتطلبات المُزمعين على الاحتفال بسرّ الزواج على الأصعدة كافة: الإنسانيّ والروحيّ والاجتماعيّ والعلائقيّ.
يُقسم الكتاب إلى جزئين: الأوّل بعنوان “الزواج المارونيّ بين التقاليد والمتغيرات” والجزء الثاني بعنوان “المقاربة الراعويّة المتجدّدة للزواج المارونيّ”. ينقسمالجزء الأوّل إلى أربعة فصول: يسلّط الفصل الأوّل الضوء على الحرب اللبنانيّة (1975-1990) وأثارها على الزواج والعائلة.
ويُبرز الفصل الثاني نقاط القوّة والضعف لدى المجتمع المارونيّ الذي يتخبّط بين المحافظة وبين التخلّي عن بعض القيم. والزواج غالبًا ما يكون ضحيّة هذه الحالات المتقلّبة. كما يعالج أنواع الزيجات ومنها الزواج المدنيّ الذي يأخذ مساحة واسعة في تفكير الشباب وخياراتهم بارزًا الأب بعقليني قيمة الزواج الكنسيّ.
ويدرس الفصل الثالث بطريقة تحليليّة العلاقة بين المجتمع والإيمان، والعلاقة بين سرّ الزواج والإيمان، وذلك من خلال تسليط الضوء على قدسيّة سرّ الزواج وأهمية رتبة الاحتفال بهذا السرّ وروحانيته في حياة الثنائي الإيمانيّة والروحيّة. أمّا الفصل الرابع فيعرض الهيكليّة الحاليّة للإعداد للزواج ومراكز التحضير للزواج في عدد من الأبرشيات المارونيّة في لبنان.
في القسم الثاني من الكتاب وتحديدًا في الفصل الخامس، يحاول الكتاب معالجة موضوع الإيمان لا سيّما إيمان أزواج الغد.لا سيّما وأنّ موضوع الإعداد لسرّ الزواج هو بمثابة مساحة للأنجلة الجديدة أي التبشير الجديد بالإنجيل والتعمّق الروحيّ. فالإعداد يُسهم في خلق مساحة ورباط أساسيين لتحقيق الأنجلة الجديدة ونشرها والتي تحتاجها الكنيسة المارونيّة أكثر من أي وقت مضى.
من هنا أهمية التعمّق في واقع سرّ الزواج وتأثيره في حياة الزوجين والعائلة. وبما أنّ الزواج له وجه إنسانيّ بامتياز توقّف الأب الدكتور بعقليني حول الهيكليّة الإنسانيّة وتركيبتها التي تعزّز أُسس الحياة الزوجية وتدعم الالتزام (الفصل السادس) كما يعرض في هذا الفصل نماذج عن أنواع الثنائي وكيفية العيش لتحقيق نجاحات ممكنة. وقد تطرّق إلى أهمية الاختيار والقرار والمعرفة المتبادلة ضمن الحبّ الواعي غير القابل للتفكك سريعًا أمام التحديات والصعوبات والمشاكل.
أمّا الفصل الأخير من الجزء الثاني وهو يحمل عنوان “الإعداد للزواج: مفهوم متجدّد”، يقدّم الباحث تصوّرًا ونظرة رائدة تؤدّي إلى إعداد أفضل لسرّ الزواج كما لمراكز الإعداد لسرّ الزواج منطلقين من اللاهوت الراعويّ. فالرؤية الجديدة والمستقبليّة مبنيّة على متطلّبات وحاجات أبناء الكنيسة المارونيّة. فهي تركّز على مراحل التحضير: البعيد، والقريب والمباشر (ما قبل الاحتفال بسرّ الزواج) مع المحافظة على المبادئ الأخلاقيّة واستعمال الطرائق الحديثة واستخدام الوسائل والأساليب الناجحة من أجل تحقيق تلك المسيرة التي تصبّ في خدمة الشباب وأزواج الغد وإيمانهم.
وبالتالي تعطيهم المساحة المطلوبة لتعميق إيمانهم أو اكتشافه وعيشه وممارسته في حياتهم اليوميّة. يؤكّد الأب بعقليني بأنّ تلك الرؤية الجديدة سوف تُبرز الزواج الكنسيّ (الأسراريّ) وقدسيته وأهميته في حياة المتزوجين وبالتالي تحفّزهم على اختيار الأفضل والثابت لحبّهم. فالزواج الأسراريّ (الكنسيّ) هو قيمة مضافة لعيش الحياة المسيحيّة بكونه سرّ من أسرار الكنيسة فيما الزواج المدنيّ يبقى عقدًا مشروطًا تتحكّم به إرادة البشر.
ويتابع المؤلّف بحثه ويرى بأنّه من الضروري تفعيل الإعداد للزواج وتثميره، بحيث يواكب جميع مراحل الحياة، مثال الأهل أي العائلة والتربية المدرسيّة والمرافقة الكنسيّة التي تحضّر بدورها إلى استلام وتحمّل زمام مسؤولية الزواج. وفي هذا السياق، يكون الإعداد للزواج مثلّث الأبعاد: بعيد وقريب ومباشر.
تهتمّ هذه الدراسة بشرح وإعلان الهويّة المسيحيّة المبنيّة على التربية على الإيمان والالتزام بتعاليم الله وتوجيهات الكنيسة التي هي في خدمة أبنائها. من هنا الأهميّة بالعمل على استعادة سرّ الزواج المرتبة التي يستحقها والتي تبرز أهميتها المتنامية على الصعيدين الاجتماعيّ والفرديّ. وفي هذا الإطار، يُدرك أزواج الغد أهمية التزامهم، ويقتنعون أنّ حبّهم، المبارك من الربّ، مقدّر له أن يستمر حتى الموت.
هذا العمل يطال أيضًا مَن يسعون إلى تحسين مفهوم الحبّ لديهم، وترقية مساعيهم وأهدافهم، فهم غالبًا ما يحلمون بالسلام الداخلي، والهناء والحبّ الحقيقيين اللذين يتوافقان مع الرغبة الإلهيّة. كما يطمح إلى إعداد سرّ الزواج بشكل أفضل، حتى يستطيع الزوجان أن يلتزما بحقّ، فيستمرّ زواجهما للأبد بالفعل وليس بالقول وحسب، فيثق كلّ منهما بالآخر ويُخلِص له.
كلّ هذا يصبّ في خانة تحسين حياة الأزواج، عبر تأسيس عائلات مسيحيّة متينة، معتمدة على التعاليم المسيحيّة التي تساعد على الانتماء إلى الكنيسة، وإلى أرض لبنان المقدّسة. من هنا لا بدّ من تنشئة وتدريب وتربية مسيحيّة.
أخيرًا شدّد الأب بعقليني على أهمية دور العمل الراعويّ لا سيّما راعويّة الزواج والعائلة في مرافقة الأزواج وعيالهم وحثّهم على المثابرة في نجاح حياتهم. فالعمل الراعويّ مدعوّ إلى توعية وتربية إيمان الشباب وأزواج الغد والمتزوّجين. وعلى الكنيسة تجديد رؤيتها المتعلّقة بالإعداد للزواج (جديدة وقائية)، في جميع مراحله، واعتماد مقاربة جماعيّة، بحلّة جديدة ومعاصرة من حيث توجهها العلميّ، تتحقّق من خلال التدوال والتواصل والتحادث والحوار ضمن الحياة المشتركة، وهكذا يحظى مشروع الحياة العائليّة بفرص أكبر للنجاح.
قدّم للكتاب باللغة الفرنسيّة الدكتورة كلوديا شمعون أبي نادر وممّا جاء في كلمتها:” إنّ كتاب الأب الدكتور بعقليني، يفتح آفاق جديدة، والملآن بوعود جميلة؛ وبصفتي متزوّجة منذ سنوات، يثبت قناعاتي بجمال العهد الزوجيّ بطابعه المقدّس واللارجوع عنه (والغير المنحلّ) وغير المشروط الذي يُعطي لبُعدنا الجماعيّ طابعًا مميّزًا، معبّرًا عنه بعدم انحلال تعلّقنا بكنيستنا المارونيّة كما بأرضنا”.
أمّا مقدّمة الكتاب باللغة العربيّة، فكتب الأباتي سمعان أبو عبدو، منسّق مكتب راعويّة الزواج والعائلة التابع للدائرة البطريركيّة المارونيّة – بكركي، ما يلي:” هذا الكتاب هو نتيجة بحث وتفكير، وتفتيش وتدقيق، وشعور بالمسؤوليّة لإلقاء الضوء على “السرّ العظيم”، سرّ الزواج المقدّس، وكيفيّة الإستعداد لاقتباله، ضمن منهجية عمل راعويّ في إطار الأنجلة الجديدة”، وتابع يقول “… بكتابكَ هذا تسهّل مهمّة المعنيين بالإعداد للزواج في مراكز الأبرشيّات وفي الرعايا، ببرنامج راعويّ جديد، تستعرض فيه المبادئ والطرق والهيكليّات والوسائل، ويستفيد منه جميع المخطوبين في أيّ أبرشيّة أو رعيّة كانوا”.