البروفسور الأب يوسف مونس
لكَ أقول تعال خارجاً السيّد المعلّم، الرب، الإله الإنسان، يسوع المسيح يقف أمام قبر إليعازر وفي اذنية يتردد العتب عليه: “لو كنت هنا يا سيدي، لما مات أخي”، إنه عتب الكثير من الناس عليه، والذين يظنون أنه غائب عنهم، بعيد عن عذابهم ومآسيهم وهو مشارك لهم في أفراحهم كما في عرس قانا، وأحزانهم كما في موت إليعازر!
وفي خوفهم من العاصفة في البحيرة، وفي جوعهم، كما اشفق على الجمع وأطعمه أو مع المرأة الكنعانية أو قائد المئة الروماني أو الأبرص، أو الأعمى أو النازفة، أو الابن الضال، والأب الحنون الرحوم وقف وهم يقولون له قد انتن، وهتف بإليعازر، “لك أقول: قم وتعال خارجاً من الموت واترك كفنك والكتان الذي يلف جسدك”.
لنخرج من نتننا
الرب يدعونا لنخرج من قبورنا ولا نبقى في نتن جسدنا وبغضنا وكرهنا وطقوسيتنا الفارغة وصلواتنا الفريسية وسلوكنا الصنمي البارد البعيد عن المحبة، إذ إننا من دون المحبة نحن نحاس يرنّ أو صنج يطنّ ويدوي صوت الله في آذاننا كما قال أشعيا: “كرهت ذبائحكم وقرابينكم”.
فنحن نعيش من دون محبة الآخر في نرسيسية خانقة وفي مدينة يضربها الطاعون والبرص. يسوع ينادينا لنخرج، البابا فرنسيس ينادي الكرادلة ليخرجوا ويروا القبور ويعرفوا أن كل شيء إلى زوال وباطل الأباطيل ولا يبقى إلا وجه الرب الذي هو محبة، “لأن الله محبة”، ولا يمكن أن نقول إننا نحبّ الله الذي لا نراه ونحن نبغض أخااً نراه. كذبة نحن. ونحن ننتن في قبور قلوبنا ونفوسنا.
يسكنون القبور
وعلينا ان نسمع صوت الرب ونقوم ونأتي إلى خارج ذاتنا وكبريائنا وعجبنا بذاتنا ولا شفاء لنا إلا بالنظر إلى وجه يسوع ووجه إخوتنا الناس الجائعين إلى المحبة، العطاش إلى الرحمة، والمبروصين والعمي والمخلعين والنازفين من المرض والخطيئة وتهشيم الصيت والكرامة والسمعة واللاهثين وراء لقمة العيش المغمسة بالعرق والدم.
يسكنون قبور أفكارهم وعقلياتهم وأقوالهم وسلوكهم والحق قد انتنّ في قلوبهم وضمائرهم لأنهم غرقوا في “الأنا” في نرسيسيتهم ولم يذهبوا إلى الـ “أنتَ” ليغتنوا من لقاء الآخرين ويفرحوا بفرادتهم وتميّزهم.
جميعنا مدعوون لنخرج من قبورنا في أشخاصنا وفي مؤسساتنا لنعيد للحياة كرامتها وفردوسها وحريتها واحترامها، وللوجود سعادته وقد خرج بهياً، جميلا، متألقاً، حسناً “من يدي الله” كما قال الكتاب المقدس.
أنا احاور، أنا موجود
والحوار هو الأساس لأنه قبول حضور الآخر المفترق الذي له الحق بالافتراق والغيرية والفرادة والاختلاف احتراماً وحباً لكرامة وحرية الشخص البشري ووجوده الإنساني الذي خلقه الله على شبهه وصورته ومثاله… كل رفض للآخر هو رفض للذات وتدمير للأنا المدمرة “الأنت” العاطي المعنى لوجود الآخر “بالنظر إليه وبحبّه”، كما ورد عن يسوع في الإنجيل.
لذلك نحن نخرج من قبر ذاتنا ونتن قلبنا بمائدة اللقاء مع الآخر وتقاسم خبز الحياة وخمرة العرس معه بفرح وجوده وغيريته، فننزع من صدرنا قلب الرصاص ومن عيوننا لحاظ النحاس ونهدم أسوار الكره والرفض والحقد والغيرية والأنانية والنرسيسية، ونذهب إلى لقاء الآخر ونحن ننشد نشيد الفرح والحب، أنا أحاور، أنا موجود! أدحرج حجر القبر عن ذاتي، مخلعاً أبواب سجني لنفسي، ذاهباً ككائنات الشمس والعواصف والرياح إلى الأفق البعيد!