الكاتب والإعلامي بلال حسن التل
رسم الأردنيون خلال الأيام القليلة الماضية صورة رائعة من صور التلاحم والتعاضد والوحدة المضمخة بدم الشهادة، التي اعتاد الأردنيون ان يتطهروا من أدرانهم بها. وهذه الصورة التي رسمها الأردنيون لوحدتهم شكلت إعلان حرب على الإرهاب، ساهم في صياغته كل الأردنيين في مدنهم وأريافهم وبواديهم ومخيماتهم.
والحرب على الإرهاب التي صاغ الأردنيون إعلانها بدم شهيدهم معاذ، ليست غريبة عليهم، فقد سبق وان اكتووْا بنارها غير مرة، فلم تُمحَ من ذاكرتهم تفجيرات فنادق عمان، التي شكلت حلقة من حلقات حرب الغدر والطعن من الخلف التي طالما تعرض لها الأردنيون، فذهب ضحيتها ملكهم المؤسس عبد الله بن الحسين، مثلما ذهب ضحية لها اثنان من أهم رجالات الوطن.. أعني بهما الشهيدين (هزاع المجالي، ووصفي التل) وكانا على رأس السلطة التنفيذية في بلدنا، أي ان الغدر بهما وبالملك المؤسس من قبلهما شكل غدرًا بكل ما يمثلونه للأردنيين من قيم ودلالات، أهمها دلالة السعي للنيل من هيبة دولتهم واستقرارهم وأمنهم وأمانهم.
ومثلما ذهب الغدر بالملك المؤسس وباثنين من رؤساء الوزارات الأردنية، ذهب الغدر أيضًا بالعديد من الدبلوماسيين الأردنيين، ومثلما خبر الأردنيون تفجيرات الفنادق في عمان، خبروا أيضًا الغدر في تفجيرات أخرى، خطفت حياة الكثير من الأردنيين مثلما حصل في تفجيرات الرمثا على سبيل المثال، غير ان حرب الغدر مختلفة هذه المرة، إذ ان الغادر يعلن عن نفسه، ويتوعد الأردنيين بالمزيد من الجرائم باسم الإسلام، والإسلام منه براء، مما يفرض على الأردنيين جهدًا مضاعفًا وحذرًا أكثر، وتماسكًا أشد، وتجسيدًا حقيقيًا لمقولة: «كل مواطن غفير» بل وأكثر من ذلك الامتثال للتوجيه النبوي: «أنت على ثغرة من ثغر الإسلام، فلا يُؤْتينَّ من قِبَلك».
فكيف إذا كانت المعركة معركة الإسلام الذي اختطفه البعض، وألبسه لباسًا يقطر دمًا وجسده خنجرًا يطعن، ونارًا تحرق، وليس في حقيقة الإسلام وجوهره شيءٌ من ذلك كله؟ وكيف إذا كان هذا البعض الذي يختطف الإسلام وينحرف به عن حقائقه يعلن الحرب على الأردن، ويهدد أمنه واستقراره، ويتوعد أهله بالذبح والحرق، متجاوزًا الوعيد إلى التنفيذ كما فعل مع الشهيد معاذ، عندها يصبح النفير للدفاع عن الدين والوطن فرض عين على كل أردني وأردنية، كل في موقعه بحسن أداء واجبه حتى لا يكون الخلل في الأداء منفذًا للإرهاب إلى نفوسنا، ومن ثم إلى أرضنا، وحتى لا يصبح الخلل في الأداء مصدرًا لنقمة بعضنا على بعض فيدخل منها الإرهاب ليفرق شملنا ويضرب صفنا ويهدم دولتنا.
ومثل الواجب في حسن الأداء العام لمؤسسات الدولة في شقيها-الرسمي والأهلي-فإن مفهوم (كل مواطن غفير) يتحقق أيضًا من خلال سد المنافذ أمام كل الشائعات، التي صارت جزءًا من الحرب النفسية التي يلجأ إليها العدو لتثبيط الهمم، وتفريق الكلمة، وتمزيق الصف، وقد سمعنا وقرأنا خلال الأيام القليلة الماضية الكثير من الإشاعات، التي سعت لخدش الصورة الرائعة التي رسمها الأردنيون لوحدتهم، وسوف نسمع خلال الأيام المقبلة المزيد من الإشاعات.
لذلك فإن مهمتنا ان نكون في أعلى درجات الوعي واليقظة، وان ندقق جيدًا في كل ما نسمع ونقرأ، وان نُحكم القاعدة الشرعية «فتبينوا»، فنحن أشد ما نكون حاجة في هذه الأيام إلى ثقافة «التبين» حتى لا يدخل الإرهاب من ثغرة الإشاعات فيفت في عضدنا، ويمزق الصورة الرائعة التي عطرناها بدم الشهادة. فنندم حيث لا ينفع الندم امتثالاً لقوله تعالى:»فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين».. ونقل الإشاعة نوع من أنواع الجهالة التي حذرنا منها القرآن الكريم.
وحتى نسد بابًا واسعًا من أبواب الإشاعات، فإن علينا ان نعيد النظر في ترتيب أولوياتنا، وليكن تماسك جبهتنا الداخلية خلف قواتنا المسلحة، وأجهزتنا الأمنية أولويتنا الأولى التي تتقدم على أية أولوية أخرى، قد نختلف حولها فتشق صفنا، وتفتح ثغرة للإرهاب يتسلل منها ويكوينا بناره من جديد، كما فعل بفنادقنا وبطيارنا.
مطلوب منا في هذه المرحلة ان يشعر كل مقاتل من مقاتلي جيشنا العربي المصطفوي في البر والجو انه يدافع عن دولة نظيفة ومجتمع متماسك، كل مواطن فيه غفير يسد في وجه العدو كل باب للتسلل (إشاعة كانت أو تسللاً ماديًا) ولا يتردد للحظة في إبلاغ أجهزتنا بأية معلومة حول تصرف مشبوه أو جسم غريب، فقد يكون له علاقة بالإرهاب والإرهابيين الذين بدأت جولة جديدة من الحرب بيننا وبينهم، ولا ندري متى تنتهي. وحتى ذلك الحين فإن على كل واحد فينا ان يظل خفيرًا مرابطًا على ثغرة من ثغور الوطن.
******
(*) رئيس المركز الأردني للدراسات والمعلومات وصاحب وناشر جريدة اللواء الأردنية.