الرواية الجزائرية المعاصرة.. محاولة تحديد منهجي

عمار بن طوبال

amar bin toubal“لماذا نفرد دراسة حول الرواية الجزائرية المعاصرة، وما هي مميزات هذه الرواية التي تجعلها متميزة عن المتن الروائي الجزائري الحديث؟

ثم ما هي المحددات المنهجية التي تجعلنا ندرج نصاً روائياً معيناً من النصوص الروائية الجزائرية ضمن الرواية المعاصرة؟

هل نكتفي بالمحدد الزمني وحده، أم أن لهذه الروايات خصائص شكلية ومضمونية متفردة عن مجموع النصوص الروائية الجزائرية؟

هي رواية حديثة، فإن الحديث عن الرواية المعاصرة يحمل الكثير من الالتباس من الناحية المنهجية، في حالة ما إذا أخذنا بالمحدد الزمني لوحده؛ بالإضافة إلى صعوبة، إن لم نقل استحالة تحديد تاريخ معين نطمئن إليه منهجياً.

ما نشير إليه بداية هو أن الرواية الجزائرية المكتوبة بالعربية هي رواية حديثة النشأة، إذ لا يتجاوز عمرها النصف قرن، ذلك إذا سلمنا بالافتراض القائل إن أول نص روائي جزائري مكتوب بالعربية، ويحمل كل المواصفات الفنية المتعارف عليها نقدياً هو رواية “ريح الجنوب” لعبد الحميد بن هدوقة التي صدرت سنة1971.

وانطلاقا من هذه المقولة التي صارت تحمل صفة المسلمة نتيجة لا جدية النقد واطمئنانه للمقولة السائدة دون البحث عن ما يزحزحها ويفككها لإعادة تأسيس مقولات أخرى أكثر اقتراباً من الحقيقة، انطلاقا من هذه المسلمة لا يمكننا بأي حال من الأحوال الحديث عن نصوص كلاسيكية في الرواية الجزائرية بسبب وجود عدد من الصعوبات.

وهذه الصعوبات تتمثل في ما يلي:

* التداخل الجيلي

والمقصود بالتداخل الجيلي هو استمرار الكتابة الروائية بالنسبة لروائيي جيل السبعينيات، وتداخلها مع الكتابة الروائية لجيل التسعينيات ( جيل الأدباء الشباب )؛ فالرواية الجزائرية حين ننظر إليها بمنظور الأجيال الأدبية نجدها تنقسم فقط إلى جيلين هما: جيل السبعينات ( جيل الرواد والآباء المؤسسين ) وجيل التسعينات ( جيل الأدباء الشباب)، حيث نلاحظ فروقاً بين هذين الجيلين بالنظر للكتابة الروائية، وفي طبيعة المواضيع المطروحة روائياً؛ على اعتبار أن فترة الثمانينات هي فترة فراغ، رغم النصوص الروائية الكثيرة التي صدرت في هذه العشرية، فترة فراغ لأنها كانت استمراراً بشكل من الأشكال لفترة التسعينات على المستوى الفني وعلى مستوى المشاريع الإيديولوجية التي انخرط فيها الروائيون الجزائريون، فقد ظلت نفس الأسماء من جيل الرواد ( وطار ، بن هدوقة، مرتاض…) هي الحاضرة وبقوة، وحتى الأسماء المهمة التي بدأت تنشر أعمالها الأولى في عشرية الثمانينات ( واسيني الأعرج، أمين الزاوي..) لم تأتِ _ في تلك الفترة _ بجديد على مستوى الرؤية الفنية، وإن كانت قد استطاعت المضي بالشكل الروائي إلى فضاءات أرحب عن طريق التجريب والانفتاح أكثر على التجارب الروائية العربية والغربية.riwaya jazaeryua 1

إن روائيي جيل السبعينيات مازالوا حاضرين _ من خلال انتاجاتهم _ في الوقت نفسه الذي دخلت فيه الساحة الروائية أسماء جديدة تحاول طرق مواضيع جديدة وبأساليب مغايرة في الكتابة، تمثل الجيل الجديد من روائيي التسعينيات (الأدباء الشباب)، وهذا ما نقصده بالتداخل الجيلي.

* غياب النقد

إن النقد الأدبي في الجزائر يظل شبه غائب عن الساحة الأدبية، ومن ثم فهو عاجز، بصفة كبيرة، عن مسايرة التطورات الحاصلة في الحقل الروائي الجزائري، وهو _ أي النقد الأدبي _ في حالات حضوره القليلة لا يقوم في واقع الأمر سوى بمهمتين أساسيتين:

– اجترار الآراء النقدية في قالب نظري محض لا يجيد تطبيق مقولاته النظرية على المتن الروائي الجزائري إلا نادراً، وهو حين يفعل ذلك يظل تركيزه على أسماء معروفة ومعينة لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة ( الطاهر وطار، واسيني الأعرج، رشيد بوجدرة )، رغم وجود العديد من التجارب الروائية الأخرى الجديرة بالدراسة.

التركيز على تجارب روائية فردية من دون وضعها في السياق العام لتطور وصيرورة الرواية الجزائرية بشكل عام. وهذا الوضع يضع أي باحث في هذا الموضوع أمام فقر معرفي يكون عائقاً كبيراً أمام إتمام بحثه.

إن حديثنا عن النقد مركز أساساً على النقد الأكاديمي الذي أعطى فرصة _ بسبب غيابه _ للنقد الصحافي الانطباعي الذي يقتصر على الأخبار في الغالب دون تحليل، وحتى حين يحاول الكاتب الصحافي تحليل نص روائي ما فهو يفعل ذلك من منطلق شخصي، لا من منطلق أكاديمي يستند إلأى إطار نظري معين يعطي تحليله مشروعية معرفية.

إذن، فقد ظل النقد الأدبي الأكاديمي المتخصص عاجزاً، بنسبة كبيرة، عن مسايرة التطورات الحاصلة في الحقل الروائي الجزائري، باستثناء بعض الدراسات الأكاديمية القليلة التي حاولت تناول الرواية الجزائرية بنوع من الشمولية، مع التركيز على مواضيع معينة دون غيرها ومن ضمن هذه الأعمال القليلة نذكر:

واسيني الأعرج في “اتجاهات الرواية العربية في الجزائر«، الطاهر وطار “تجربة الكتابة الواقعية«، ومخلوف عامرفي »مظاهر التجديد في القصة القصيرة بالجزائر«، الرواية والتحولات في الجزائر، “توظيف التراث في الرواية الجزائرية”، ثم بعض الأعمال لعبد الحميد بورايو نذكر منها: »القصص الشعبي في منطقة بسكرة«، منطق السرد دراسة في القصة الجزائرية الحديثة. بالإضافة إلى كتابات كل من آمنة بلعلي، السعيد بوطاجين، علال سنقوقة، محمد داود، جعفر يابوش…الخ.

هذا الوضع الرديء للنقد الأدبي جعل الكثير من النصوص الروائية الجزائرية غير مدروسة نقدياً، ونحن نعلم مقدار أهمية النقد في إضاءة النصوص الروائية، وكذا الدور الكبير الذي يلعبه النقد في التعريف بالنصوص الجيدة والكشلف – عن طريق وسائله المنهجية – عن السياقات السوسيو ابداعية التي انتجت هذه النصوص.

من هنا فإن غياب النقد الأكاديمي وتأخره مقارنة مع تطوات الحقل الروائي الجزائري، تؤثر تأثيراً شديداً على هذا الأخير الذي يظل مهمشاً، إن لم تكن هناك ممارسة نقدية موازية.

إن التداخل الجيلي بين الروائيين الجزائريين، وكذا غياب النقد الروائي وتأخره عن مسايرة التطورات الحاصلة في الحقل الروائي الجزائري، يضعنا أمام مأزق منهجي ونحن نحاول وضع محددات موضوعية تستطيع انطلاقاً منها حصر النتاج الروائي المندرج ضمن الرواية الجزائرية المعاصرة.

مما قد لا يقع فيه كبير اختلاف هو أن النصوص الروائية لجيل التسعينات تتندرج ضمن الرواية الجزائرية المعاصرة، هذا الجيل الذي سميناه أيضا جيل الأدباء الشباب والذي دخل مجال النشر في أواخر عشرية التسعينات، ويمكن تحديد تاريخ ولادة هذا الجيل بسنة 1998 وهي السنة التي شهدت صدور روايتين لاثنين من أبرز ممثلي هذا الجيل هما بشير مفتي وحميد عبد القادر، وأما الروايتين فهما »المراسيم والجنائز« لبشير مفتى الصادرة عن منشورات الإختلاف و»الانزلاق« لحميد عبد القادر الصادرة عن دارالشهاب.

من الناحية التاريخية نستطيع القول إن ولادة جيل الأدباء الشباب كانت سنة 1998 حيث توالت بعدها عملية النشر في مجال الرواية للكثير من الأدباء الذين ينشرون أعمالهم الأولى، والتي في معظمها تتميز ببعض الخصائص المشتركة، فهذه السنة بالإضافة لكونها سنة صدور الروايتين المذكورتين، إلا أنها أيضاً كانت بداية لانبعاث الحقل الروائي من جديد وبنفس جديد أيضا، حيث كان الحقل الروائى الجزائر طيلة عشرية التسعينات، تقريباً، يعاني من ركود وغياب شبه تام لأي نص روائي جديد، نظراً للظروف الصعبة التي مرت بها الجزائر، والتي جعلت الكثير من المثقفين يركنون إلى صمت رهيب وعدم قدرة على فهم ما جرى ويجري في بلاد، تنهار فيها كل الأحلاف والأماني دفعة واحدة أمام همجية الإرهاب، فقد اغتالت يد الإرهاب الكثير من المثقفين، وهجر الكثير منهم أيضا نحو الخارج.

أما الذين بقوا بالجزائر فقد غرقوا في بحر من الصمت أمام هول المأساة الوطنية، أما من الناحية الفنية فيمكن ذكر رواية “ذاكرة الجنون والإنتحار” لحميدة العياشي الصادرة سنة 1986 عن دار لافوميك، فأطلقت الرواية الجزائرية الشواغل الإيديولوجية التي سيطرت عليها طوال فترة السبعينات والثمانينات، رغم أن العشرية التي تلت صدور هذه الرواية كانت عشرية صمت نتيجة الظروف الصعبة التي مر بها المجتمع الجزائري، مما أخر تبلور النهج الجديد للرواية الجزائرية لغاية سنة 1998، التي نتخذها في هذه الدراسة كتاريخ ميلاد الرواية الجديدة في الجزائر، رواية جيل الأدباء الشباب، هذا الجيل الذي لم يفتح عينيه على وهج الإستقلال، ولا عاش تلك اليوتوبيات الاشتراكية التي صاغت التوجهات الإيديولوجية للرواية الجزائرية، منذ لحظة الميلاد الأولى على يد جيل الرواد (بن هدوقة، وطار)، لم ينخرط عبر الكتابة الروائية في خطابات الجماعة المشتركة، لأنه ولد (أدبيا) في مرحلة تحول وانكسار لأوهام وأحلام السابق، وتخلخل كل تلك الشعارات التي غذت نتاجات الجيل السابق.

وهذا الواقع السوسيولوجي المغاير هو الذي أنتج رواية مغايرة نستطيع أن نتناولها كرواية ضد الرواية السبعينية، وكنصوص تمارس قطيعة حادة مع نصوص الآباء المؤسسين للرواية الجزائرية من الناحية الجمالية والفنية، ومن ناحية الجمالية والفنية ومن ناحية الرؤى الإيديولوجية التي تتبناها هذه الرواية.

اترك رد