الكاتب والإعلامي بلال حسن التل
في واحدة من أغنى وأخصب مناطقنا الزراعية، يُصاب المرء الزائر لتلك المنطقة بسلسلة من الصدمات، جراء حالة الكسل والخمول التي أصابت شرائح متنامية من أبناء شعبنا، وهو الكسل الذي انعكس إهمالاً لمكونات ثرواتنا الوطنية، مما ساهم في تعميق مشكلتي الفقر والبطالة.
أول الصدمات التي تواجه الزائر لهذه المنطقة انها تحتضن الآن مشروعًا اقتصاديًا زراعيًا سياحيًا كبيرًا، لم يقم على أيدي أبناء المنطقة، لكنه قام على يدي شخص من خارج المنطقة، استطاع الاستفادة من المزايا والحوافز التي تمنحها القوانين الأردنية، خاصة في مجال تطوير الأراضي الزراعية، فأقام مشروعه على ما يقارب الألفي دونم اشتراها بأسعار بخسة، ليبيعها بعد فترة وجيزة من العمل والتطوير بأضعاف ما اشتراها به، ليجلس أبناء المنطقة يتلاومون أحيانًا ويتحسرون أحيانًا أخرى، خاصة وان من قام بشراء أراضيهم وتطويرها ليس من المتنفذين، كما انه لم يكن من الأثرياء الذين يشار إليهم بالبنان قبل تنفيذه لهذا المشروع مستفيدًا من الحوافز والمزايا التي تقدمها القوانين من جهة، ومن كسل الأردنيين من جهة أخرى.
الصدمة الثانية التي تُصيب الزائر لهذه المنطقة من ربوع بلدنا، تتمثل في ان أبناء المنطقة لم يستفيدوا من درس الصدمة الأولى، عندما باعوا أرضهم بثمن بخس، بل تمادوا في غيهم عندما قبلوا بأن يعمل في المشاريع التي أقيمت على أرضهم عمالة وافدة، صارت مهمة نسبة عالية من أبناء المنطقة تأمين الخدمات لهذه العمالة، ذلك ان عددًا من أبناء المنطقة يملكون سيارات «بكب» صارت مهمة أصحابها تأمين احتياجات العمالة الوافدة من اسطوانات الغاز أو التنقل داخل المنطقة، وخلاف ذلك من الأعمال المرتبطة بالكسل في معظم الأحيان. ولقد آلمني خلال الأسبوع الماضي منظر شباب المنطقة وهم يجلسون في المقاهي، أو أمام البيوت.. بينما ينهمك العمال من غير الأردنيين بالعمل، والإنتاج ثم يشكون من البطالة.
وعلى ذكر المقاهي، فقد صارت سرطانًا يتفشى في كل مدننا وقُرانا، ويسرق هنا جلّ وقت شبابنا، وزهرة أعمارهم يقضونها في لعب الورق ونفث دخان الأرجيلة التي انتشرت هي الأخرى انتشارًا سرطانيًا يفتك بصحة صدورنا وجيوبنا في أبشع عملية استهتار بالقانون الذي يمنع التدخين في الأماكن المغلقة، لكن أحدًا لا ينفذ القانون وأحدًا لا يُعاقب على عدم تنفيذ القانون.قد يكون لبعض شبابنا العذر في انه يمضي جلّ وقته في ٱلمقاهي لغياب المرافق العامة عن مناطقهم مثل المكتبات، والأندية، والملاعب. وإذا كانت الدولة مقصرة في هذا المجال، فإن تقصير الشباب هو الآخر كبير. فلماذا لا يتداعى شباب المناطق لتأسيس الأندية، والجمعيات التي من شأنها توظيف طاقاتهم بما يخدمهم، ويرفع من سوية مناطقهم، بل ويحولهم من خلال هذه الأندية والجمعيات إلى مجموعة ضغط وتأثير للحصول على حقوقهم في تطوير مناطقهم؟!.
وعلى ذكر المرافق، فإن الصدمة الثالثة التي يُصاب بها الزائر لهذه المنطقة، بل لكل مناطق وطننا، يمثلها منظر الأطفال يمارسون ألعابهم البريئة في الشوارع، وبين أنياب الموت التي تمثلها عجلات السيارات التي تقطع الشوارع بسرعة كبيرة مهددة الأطفال الذين يلعبون وسط هذه الشوارع بالموت يخرج إليهم من بين عجلات هذه السيارات.
وعلى ذكر الخطر أيضًا، لا بد من الإشارة إلى خطر تتعرض له آثارنا في هذه المنطقة التي أتحدث عنها.. فقد اكتشفت فيها مؤخرًا واحدة من أقدم الكنائس في تاريخ العالم، وقد أُجريَ الكثير من الحفريات لإبراز معالم هذه الكنيسة، قبل أن تتحول الآن إلى ملعب للأطفال يعبثون بحجارتها ويشوهون معالمها. فأين دائرة الآثار العامة، ولماذا لا توفر الحراسة لهذه المعالم الأثرية الهامة؟ ولماذا تغيب المتابعة والحماية لمكتشفاتنا الأثرية تحميها من العبث وتحولها إلى ملاعب للأطفال؟..
كثيرة هي الصدمات التي يُصاب بها الزائر لبعض ربوع بلدنا، وهي صدمات ناجمة في معظمها عن سوء تصرفنا، مما يعني ان علاجها ليس صعبًا إنْ نحن بدأنا بأنفسنا فعالجنا سلوكنا.
******
(*) رئيس المركز الأردني للدراسات والمعلومات وصاحب وناشر جريدة “اللواء” الأردنية