الكاتب والإعلامي بلال حسن التل
لا تكاد العين تخطئ الأزمة المرورية في عمان ما بين الساعة الثامنة والساعة التاسعة صباحًا، وهذا يعني ان جلّ الأردنيين ما زالوا في الطريق إلى أماكن عملهم الذي يفترض انه يبدأ في تمام الساعة الثامنة صباحًا، ومن ثم فإن جلّ الأردنيين يبدأون يومهم بارتكاب الأخطاء ومخالفة القوانين والاعتداء على حقوق الآخرين وسرقة المال العام؛ ذلك ان الموظف يتقاضى راتبه من المال العام الذي يأتي معظمه من جيوب المواطنين على شكل ضرائب ورسوم. وهو يتقاضى هذا الراتب مقابل تقديم خدمات.
من حق المواطن ان يحصل عليه بسرعة يعيقها تأخر الموظف في الوصول إلى مكتبه، وهو التأخير الذي يعني مخالفة للأنظمة والقوانين النافذة التي تحدد ساعات وأماكن عمل الموظف وهي الساعات التي يتأخر الموظف عنها معتديًا على حق المواطن. وهذا هو الخطأ الأول الذي يبدأ به جلّ الأردنيين يومهم باعتبار ان الجهاز الحكومي بشقيه – المدني والعسكري – يستوعب النسبة الأكبر من القوى العاملة في الأردن.
تأخير الموظفين عن أوقات دوامهم هو جزء من خطأ أكبر يمارسه الأردنيون على امتداد يومهم، هو خطأ عدم احترام المواعيد، فمثلما يتأخر الأردنيون عن مواعيد عملهم فإنهم في الغالب يتأخرون عن مواعيد اجتماعاتهم وزياراتهم، حتى يكاد الأمر يصل إلى التأخر عن مواعيد كل شيء، وهي ممارسة تدل على عدم احترامنا للوقت الذي هو الحياة، التي يجب ان نحسن استغلال كل لحظة منها باعتبارها رأس مالنا الحقيقي، وقبل ذلك تنفيذًا لتعاليم ديننا. ومع هذه وتلك وقبل ذلك ممارسة لقيم الاحترام، احترام الوقت، واحترام الطرف الآخر، سواء كان مراجعًا، أو شريكًا في الاجتماع، وقبل ذلك احترامًا للنفس.
غير الأزمة المرورية التي لا تخطئها العين في ساعات الصباح الأولى، خاصة في ساعات الذروة التي ينطلق بها الموظفون متأخرين إلى أعمالهم، فإن النظر لا يخطئ أيضًا سببًا رئيسًا من أسباب الأزمة المرورية التي نتذرع بها عادة لتبرير عدم وصولنا إلى المواعيد في الوقت المناسب، هذا السبب هو أن جل السيارات التي تغلق شوارعنا خاصة في ساعات الذروة يقتصر ركابها في الأعم الأغلب على شخص واحد هو صاحبها، وهي ممارسة تشير إلى مشكلة كبيرة في بلدنا، هي غياب منظومة النقل العام اللائقة والقادرة ، فلو كان لدينا منظومة نقل عام كما هي الحال في معظم عواصم العالم ومدنه الكبرى، لتخلت نسبة كبيرة من المواطنين عن استخدام سياراتها لحساب استخدام منظومة النقل العام، مما سيخفف من الأزمة المرورية، والأهم من ذلك أنه ستنخفض فاتورة النفط المستوردة.
وحتى يحين الوقت الذي تعطي فيه الحكومة الأولوية لإنشاء منظومة نقل عام، لماذا لا يشترك أكثر من شخص في استخدام سيارة واحدة للذهاب والإياب إلى أماكن عملهم سواء كان هؤلاء الشركاء من أفراد الأسرة الواحدة، أو من أبناء المنطقة الواحدة، أو من أبناء المؤسسة الواحدة؟ وهي شراكة لو تمت لخففت من حجم الأزمة المرورية ولخفضت من الإنفاق العام والخاص، ووفرت الكثير على جيوب المواطنين. فهل نبادر إلى إقامة مثل هذه الشراكات لنخفف من حجم أخطائنا الصباحية؟.
خطأ صباحي ثالث يمارسه الأردنيون كل يوم، ولا تخطئه العين، هو قيادة معظمهم السيارة وهم يتحدثون في هواتفهم مما يفقدهم التركيز في القيادة، ومن ثم التسبب في الحوادث والمشاجرة مع الآخرين، وفي هذا هدر مالي كبير وبداية متشنجة لليوم الجديد من حياتنا.
ليست المشاجرات الناجمة عن سوء القيادة هي مصدر التشنج الوحيد الذي يبدأ به الأردني صباحه، فلا تكاد العين تخطئ حجم التشنج والتبرم والسخط يعلو وجوه جلّ الأردنيين منذ الصباح الباكر، وهو التشنج الذي ينعكس على ثياب وعلى مظهر نسبة كبيرة منهم بشكل عام. فقد بدأت الأناقة تغيب عن نسبة متزايدة من الأردنيين، وهو خطأ صباحي يبدأ به جلّ الأردنيين يومهم مما يعكس تشاؤمهم بل ويكرسه.
وعلى ذكر الأناقة لا بد من الإشارة إلى خطأ صباحي آخر تمارسه نسبة لا بأس بها من الأردنيين وهو تناول الطعام والشراب في الشوارع، ومن ثم رمي بقايا ما يشربون وما يأكلون في الطريق وهذا الخطأ فوق انه ينم عن قلة ذوق وتغير في العادات والتقاليد، فإنه يُسهم في زيادة نسبة غياب النظافة عن المدينة. بالإضافة إلى الأضرار البيئية الناجمة عن هذه الفضلات.
كثيرة هي الأخطاء التي يبدأ بها الأردنيون يومهم، وهي أخطاء لا علاقة بها بقرارات الحكومة وقوانينها وأنظمتها، بل هي نابعة من سلوكنا، ومنظومة القيم التي تحكمنا، ومن ثم فإن إصلاح غالبية هذه الأخطاء لا يحتاج إلى قرارات حكومية، بل إلى تقويم للسلوك يمارسه كل منا مع نفسه.
*****
(*) ناشر ورئيس تحرير جريدة “اللواء” الأردنية ورئيس المركز الأردني للدراسات والمعلومات.