الأديب اسكندر شديد
كيف لك، في زمن الميلاد، محاولة الدنوّ من سِرّ طفولة الإله بلغة الفلسفة واللاهوت؟
هذه طريق تُفرِغ ما نحن مُقبِلون للاحتفال به، من ينابيعه الصافية الغزيرة المُجدِّدة للإيمان، الصادحة بالرجاء، والغامرة بالمحبّة.
لا يستطيع العقل دخول أجواء مغارة بيت لحم، حاملاً سلاح المنطق وما إليه من رياضاتٍ دماغية ما عاد لها معنى، يوم ارتضى الله الحلول بيننا ليشيل بنا صوبه، بعد تكاثر السوء إلى حدود التهديد بهلاك العالم.
ولا “علم الله” يجد له معنى هو أيضًا، فيما المذود تُنوِّره عينان بريئتان، ووجهٌ زهري، ويدان ورجلان كما لأيِّ طفلٍ وُلِد وسوف يُولِد.
قد تقترب من عظمة السِرّ بالشعر، بالموسيقى، بالالتصاق بنجوى الشجر والماء والزهر والغيم، وبرائحة الخبز الطالع من تنور، وبنقاء نوايا الماضين نحو الصلاة ويدهم إلى المحراث.
تقترب أكثر، متى وقفت مع الرعاة حين بشّرهم الملاك. وكيف ذُهِلوا، وذُهِلوا، ثم فرحوا وطاروا بفرحهم إلى السماء، ساجدين أمام الطفل وفي اليد هدية قطيعهم.
وتقترب أكثر فأكثر، إذا طوّعت خيالك لترى ملوك الشرق القادمين لعبادة الإنسان- الله، بكلّ عظمة هذا العالم وبذخه، وبقرارهم إلقاء العظمة والبذخ عند قدمَيه، إعترافًا بأن الحدث أعاد الأشياء والناس إلى حدودها: صنائعَ الخالق، تُجوهِرها الطاعة والتواضع.
لكنك تصير أخًا للطفل إنْ غدوتَ إبنًا، معه، لمريم.
الأُم تقود إليه، بقبولها مشيئة الأب السماوي، واقتبالها نعمة الروح القدس، واحتمالها الشكّ في طهارتها، وصمودها حتى الميلاد المُبارَك.
تقود إليه بما سيلي الميلاد من اعتناءٍ بالإبن، وسهرٍ على راحته، وصبرٍ في نقل معارفها إليه، وقلقٍ لاقتراب اعتلان كلمته، وتفجُّعٍ لقسوة العالم عليه، وبكاءٍ مُرّ لرحيله، وسعادةٍ لا تُوصَف لقيامته بالمجد وشهادته عليها في حضنها.
هكذا، يغدو الميلاد ميلادَين: للإنسان الله، وللمرأة- أُم الله.
وإذاك، يمكنك إدراك مدى حُبّ الله لنا، بحمله الخلاص إلينا، كلّنا، وإلى المرأة التي بها عاد الرجل والمرأة أهلاً للمضي معًا، على درب الكمال