الشاعر هنري زغيب
منذ مطلع السبعينات وهو يجوب ويَـجبـي: جاب حتى اليوم نحو 100 بلد على هذا الكوكب، ويَـجبـي بكاميراهُ لقطاتٍ: منها ما يَنقل جمالات الطبيعة وعطاءَاتها اللامحدودة، ومنها ما يعكس إِجرام الإِنسان في تشويه الطبيعة عَمْداً أَو جهلاً أَو ساديةً قاتلة.
وعدا صُوَره التي باتت بين الأَغلى في العالم عبر معارضه المتنقّلة في كبرى العواصم، يَعمَل مع زوجته ليليا في مؤَسستهما “الأَرض” على إِعادة تشجيرٍ أَو وضع برامج تربوية لتوعية المواطنين على التربية البيئية وحفْظ الطبيعة وثرواتها “قبل أَن نُصبح غُرباء على أَرض هذا الكوكب الجميل”، كما ورَدَ في حواره أَخيراً مع وكالة الصحافة الفرنسية “لأَننا إِن لم نلتفِتْ إِلى الأَرض وما تُسدي إِلينا، لن نعود من سكّانها بل سنمسي بعد سنواتٍ كائنات من خارج هذا الكوكب”.
كلُّ هذا قاله بالكاميرا التي سار بها عكْس تيار تخريبٍ يلحق بالطبيعة، فإِذا بالصوَر التي يعرضها لوجوه ومناظر ومشاهد ولوحات طبيعية ولقطات صادمة للجوع والحرب والفقر والهجرة والتهجير وجماعات بشرية مستغَــلَّــة ومقهورة وعاملة تحت سوط الظلم والقهر، تعكس بالأَبيض والأَسود مآسي الإِجحاف الذي يدمِّر الطبيعة والإِنسان فيها، وإِذا بتلك الصوَر النابضة حافز للحفاظ على الثروات في أَرضنا وطبيعتنا وإِنساننا على السواء.
هي هذه رسالة الفن في أَعمال الفوتوغرافي البرازيلي السبعينيّ سيباستيو سالـغـادو الذي يكرِّس حياته للكاميرا، لا التقاطَ صوَرٍ جامدة بل التقاطَ هُنيهاتٍ معـبِّـرةٍ غير عابرة تقول إِنّ للفنان دوراً رئيساً في الحفاظ على الإِرث الطبيعي والتراث البشري.
إِنها مقاومةُ الخراب بالفن، مقاومةُ التشويه بالإِبداع، مقاومةُ الظُّــلْم بالجمال، مقاومةُ نـهّابي الطبيعة بإِبراز عطايا الطبيعة.
وهي رسالةٌ جديرةٌ بكل مبدع: أَن يَحفظ بِــإِبداعه عطايا الطبيعة، وأَن يُدافع عن ثروات الحياة بجميع وسائل التعبير ووسائط التواصل الفني، بالقلم كتابةً، بالريشة رسماً، بالكاميراً صوَراً، بالإِزميل نحتاً، بالنوطة موسيقىً، بالكلمة، بالفعل، بالعمل، بكل ما يَلفِت الإِنسان إِلى ما يُحسّن حياة الإِنسان وإِلى كلّ ما يدمّر الطبيعةَ الأُمَّ حاضنةَ هذا الكون الجميل. وليس عبثاً قولُ دوستويـﭭـسكي إِنّ “الجمال يُـخلِّص العالم” أَو قول البابا بولس السادس: “لسنا اليوم في حاجة إِلى قدّيسين بقَدْرِما إِلى شعراء وفنانين”.
ذلك أَنّ المبدع هبةُ الله على الأَرض. فلْيُكَــرِّس موهبَته السماوية لرسالته الأَرضية يُـجَــمِّــل بها عالَـماً لا حدودَ لغِناهُ، ولْيَكُن هذا الغنى تَغَـنِّـياً بأُغنية الفجْر الطالع كلَّ صباح من ضَوء عينَين جميلتَين تَنفتحان على الجمال وتَــنْــشُــرُهُ حولَها شمساً حَــنُوناً تفتَــتِحُ الصباح.