على هامش استئناف عقوبة الإعدام

الكاتب والإعلامي بلال حسن التل

كل المؤشرات، كما كل أدوات قياس الرأي العام، تؤكد أن الغالبية الساحقة من الأردنيين تؤيد خطوة الحكومة في bilal talاستئناف تنفيذ عقوبة الإعدام، بعد تجميد استمر لمدة ثمان سنوات، ارتفعت خلالها نسبة جرائم القتل وما صاحب بعضها من بشاعات، منها انتهاك الأعراض والسطو المسلح، والكثير من مظاهر الاستهتار بحرمة المجتمع وأمنه.

هذا التأييد الشعبي لقرار استئناف تنفيذ عقوبة الإعدام يكشف حزمة من الحقائق التي يجب الوقوف عندها وأولها: إن شعبنا يؤيد ويلتف حول القرارات الصائبة، حتى وإن كانت قاسية، مثل قرار تنفيذ عقوبة الإعدام. ويوفر لهذه القرارات الحاضنة الشعبية التي تعطيها القوة والقدرة على مواجهة الضغوط مهما كان مصدرها.. لذلك فإن على الحكومة ان تحرص على توفير الحاضنة الشعبية لقراراتها، وذلك من خلال شرح هذه القرارات والتمهيد لها وبيان ضرورتها وفائدتها للمجتمع.

الحقيقة الثانية التي كشفت عنها عملية تنفيذ عقوبة الإعدام هي: إن الأردنيين يقدمون الأمن على سائر ضروراتهم وأولوياتهم الأخرى، وهم مستعدون في سبيل الحفاظ على هذا الأمن لتحمل الكثير من الصعوبات، ومن بينها قسوة عقوبة الإعدام، وهذا الترحيب والارتياح الذي أظهره الأردنيون لاستئناف عقوبة الإعدام يعكس تعطشهم وشوقهم لصورة دولتهم الحازمة، وحنينهم لهيبتها التي تحميهم من خلال إنفاذ القوانين التي تبقي الأمور في مسارها الصحيح في دولة القانون، وأهم وظائفها: تعزيز الأمن لمواطنيها وحماية هذا الأمن.

الحقيقة الثالثة التي كشفتها عملية تنفيذ أحكام الإعدام هي حجم البون الشاسع بين إرادة المجتمع وقيمه واحتياجاته، وبين ما تريد فرضه أقلية قليلة من مراكز التمويل الأجنبي، ومن يدور في فلكها على المجتمع من قيم ومفاهيم، تتنافى مع قيمه ومفاهيمه، مستقوية على الدولة والمجتمع بالمال والنفوذ الخارجي، في أبشع صورة من صور استقواء الأقلية على الأكثرية، وفي أبشع عملية من عمليات سلب إرادة المجتمع وتشويه هويته، الأمر الذي يجب التصدي له بحزم، لأنه يمثل عدوانًا على المجتمع في أهم مكوناته–أعني بها: منظومة القيم والمفاهيم والمعتقدات، ومن ثم الهوية والسيادة الوطنية–ذلك أن استقواء البعض بالمنظمات الدولية لفرض مفاهيم وتشريعات تتناقض مع السيادة الوطنية، مثلما تتناقض مع الأعراف والتقاليد، كما انه يمثل خروجًا على القانون واعتداء على السيادة الوطنية وقرارها المستقل وحريتها في التشريع.

الحقيقة الرابعة التي تكشفها عملية تنفيذ حكم الإعدام هي: إنه ليس كل ما يأتينا من الغرب سليما، وينسجم مع احتياجاتنا ومع قيمنا وتقاليدنا، والدليل هو هذا الرفض الشعبي لإلغاء عقوبة الإعدام التي يحاول الغرب فرضها علينا دون النظر إلى قيمنا ومعتقداتنا الدينية وأعرافنا وتقاليدنا الاجتماعية، ناسيًا أو متناسيًا أن هذه العقوبة مطبقة في الولايات المتحدة زعيمة الغرب وقائده. وقد صار على الغرب والدائرين في فلكه احترام إرادة الشعوب وثقافاتها وقراراتها الوطنية المستقلة.

خلاصة القول في هذه القضية هي: إن من حق الأردن أن يمارس تطبيق قوانينه، وأن يُراعي تقاليده، وأن يحترم تشريعاته، وأن ينفذ قرارات محاكمه خدمة لمصالح شعبه وأمنه واستقراره الذي يحتاج إلى الحزم في كل مجالات حياته.

******

(*) رئيس المركز الأردني للدراسات والمعلومات

اترك رد