الفيلسوف مـيخائيـل نـعيمـه
ما كانت ولادة المسيح في مغارة للبهائم سوى رمزٍ إلى بداية الإنسان الحيوانيّة . أمّا الطريق الذي قطعه المسيح من المهد إلى اللحد فهو الطريق الذي لا مناص لي ولك من قطعه إذا نحن شئنا أن نخلص من الحيوان فينا إلى الإنسان , ثمّ أن ننعتق من الإنسان لنتّحد بالله . والخلاص من الحيوان إلى الإنسان لا يتمّ إلّا بقهر الغرائز الحيوانيّة . والانعتاق من الإنسان لا يكون إلّا بنكران الذات الإنسانيّة المنفصلة عن ذات الله.
أما ترى أن حياة المسيح على الأرض كانت حرباً بغير هوادة على البهيمة في الإنسان ؟ فمن طبيعة البهيمة أن تحيا لذاتها غافلةً عن كلّ حاجة غير حاجتها , وعن كلّ لذّة غير لذّتها , وعن كلّ هدف من وجودها غير الأكل والشرب والتناسل .
أمّا المسيح فقد علّمنا بلسانه وحياته أنّ الإنسان ــ ليكون إنساناً ــ لا يليق به أن يحيا حياة الحيوان . بل لابدّ له من أن يحيا لغيره إذا هو شاء أن يحيا لنفسه. فيعمل لقريبه مثلما يعمل لذاته. لأنّه وقريبه جسد واحد وروح واحد, هما جسد الله وروحه .
فإن هو أبغض قريبه فكأنّه أبغض ذاته وأبغض ربّه: ـــ (( أحبّ قريبك كنفسك)) ـــ وإن هو دان قريبه بهفوة أو بزلّة فكأنّه دان نفسه ودان ربّه: ــ (( لا تدينوا لئلّا تُدانوا)) ــ وإن هو تمسّك بالأرض وملذّاتها فقد نسي ((ملكوت السموات)) والحياة الأبدية في الله: ـــ (( لا تهتمّوا قائلين ماذا نأكل أو ماذا نشرب أو ماذا نلبس … اطلبوا أوّلاً ملكوت الله وبِرّه , وهذا كلّه يزاد لكم ))، وقد قال للغنيّ الذي جاء يستهديه طريق الخلاص: (( اذهب وبِعْ كلّ ما لك وفرّقه على الفقراء وتعالَ اتبعني )).
******
(*) من كتاب “النور والديجور”