“شبيك لبيك” لزينة دكاش… ألم العمال الأجانب في لبنان ممسرحاً

منار علي حسن

هل يمكن أن تكون الدراما فناً للواقع؟ سؤال تجيب عنه الممثلة زينة دكاش في كل مرة تمسرح الواقع zeina daccacheبكل ما فيه من إيجابيات وسلبيات وتناقضات لا تحصى، وتختار أبطاله من أؤلئك الرازحين تحت نير المعاناة، أؤلئك الذين كتمت أنفاسهم وأصواتهم قساوة الواقع.

“شبيك لبيك”، عرض مسرحي تفاعلي أبطاله عمال أجانب في لبنان، من تأليف زينة دكاش وإخراجها بدعم من السفارة النروجية في لبنان، يتمحور حول المصاعب التي يواجهها هؤلاء في عملهم في لبنان، لا سيما قضية الكفيل التي تشكل عائقاً أساسياً أمام استمرارهم، فضلا عن طريقة تعامل الناس معهم.

اللافت أن العرض لا يردد صدى الشكاوى والقهر الذي يواجهه هؤلاء العمال فحسب، بل يبين نواحي مشرقة من حياتهم في هذا البلد وفي بلدهم الأم، ففي كل مكان، في نظر زينة دكاش، جماليات فريدة بحاجة إلى النظر إليها نظرة تفاؤل، لذا تضمن العرض معلومات عن بلد كل عامل أجنبي مشارك في العرض، بما فيها الموسيقى والرياضة والأحوال الاجتماعية…

لا يهدف المسرح التفاعلي إلى الإضاءة على المشاكل الاجتماعية والإنسانية فحسب، بل تغيير بعض وجهات النظر أو حتى القوانين المجحفة بحق الفئات المضطهدة.

تحدٍ وصعوبات

بدأت زينة دكاش العمل على العرض منذ تسعة أشهر، وواجهت صعوبات جمة خصوصاً أنها لم تستطع الاجتماع مع فريق العمل الذي أسسته من العمال الأجانب (عددهم 24) إلا أيام الآحاد ولساعتين فحسب، فضلا عن الجهد الذي بذلته لإقناعهم بالتحدث عن معاناتهم علانية… إلا أنها في النهاية نجحت ورأى العرض النور.

بعفويتهن وبساطتهن وابتسامتهن، نقلت العاملات الأجنبيات واقع معيشتهن في لبنان، وطبيعة عملهن في البيوت، وفي الوقت ذاته ظروفهن في بلدانهن التي أجبرتهن على السفر إلى لبنان والعمل فيه. صدقهن في روايةZEINA DACCACHE 1 قصصهن ولو كان ذلك ضمن قالب مسرحي، أثر في الجمهور الذي حضر العرض على مدى يومين (13 و14 ديسمبر) في مسرح “ألت سيتي” الحمرا- بيروت، فصفق لهن وشاركهن الدفاع عن قضيتهن واستمتع بعرضهن لخصائص بلدانهن وموسيقاها، فتحولت المسرحية في النهاية إلى عرض راقص شارك الجمهور العاملات والعمال الأجانب فيه…

ليس العرض مجرد التباكي على واقع معيّن، إنما طرح قضية العمال الأجانب من جوانبها كافة، لمعالجة أوضاع شاذة يعاني منها هؤلاء، وإيجاد حلول بالتعاون مع أصحاب العلاقة أي العائلات التي يعمل عندها هؤلاء.

دراما، واقع، فرح، معاناة، إصرار، صبر، تقدم، عمل، مال… هذه العناصر وغيرها ظهرت جلية في العرض مختصرة مسيرة العمال الأجانب الآتين من إثيوبيا، بوركينا فاسو، السنغال، الكاميرون، سريلانكا، السودان… ثمة قاسم مشترك بينهم هو الأسباب القاهرة التي دفعتهم إلى المجيء إلى لبنان، وثمة اختلاف بينهم هو كيفية تعامل اللبنانيين معهم بين الحريص عليهم والمستغل لهم…

أرادت زينة دكاش أن تبيّن أن المجتمع اللبناني ليس كله مضطهد لهؤلاء بل ثمة من يراعي ظروفهم ويعاملهم معاملة إنسانية، وإن كانت قضية الكفيل تطغى على معظم الأوضاع…

مسار شائك

أن يحكي العمال الأجانب قصصهم منذ اللحظة التي قرروا فيها السفر إلى لبنان ولغاية وصولهم إلى مطار بيروت وانتظار المكاتب المعنية لاصطحابهم إلى منازل مخدوميهم… ليس بالأمر السهل نظراً إلى الإشكاليات الجمة التي ترافق هذا المسار، لكن عرفت زينة كيف تطوّع العمال-الممثلين الذين يقفون للمرة الأولى على خشبة المسرح، وتخرج منهم مشاعرهم وتنتزع البسمة من وجوههم، حتى وهم يسردون مراحل عذاباتهم التي تصل في بعض الأحيان إلى انتهاك إنسانيتهم في ظل غياب قانون يحميهم…SHEBEIK LEBEIK

تكلموا ببساطة مرفقة بمرارة، فأوصلوا رسالتهم إلى الناس ومفادها أنهم، ولو كانوا يعملون في المنازل، لا يختلفون عن اللبنانيين بشيء، لا سيما أن في بلدان البعض منهم، ثمة لبنانيين يعملون في التجارة وغيرها، لذا ليسوا غرباء عن الجو اللبناني والمناخ اللبناني.

في مقابل الخط الدرامي للعمال الأجانب في لبنان ثمة خط آخر حرصت زينة دكاش على إبرازه، بطله الكفيل والمشقات التي يتكبدها، لا سيما وجود شخص غريب وغامض في منزله لا يتحدث لغته ويشبه إلى حد بعيد اللغز، لجهل الكفيل ظروف معيشته في بلده والأسباب التي دفعته إلى المجيء إلى لبنان، وقد تنعكس سلباً أحياناً على حياة الكفيل…

مع أنهن نقلن الحقيقة بواقعها ومرها، إلا أن العاملات الأجنبيات تركن مكاناً للفرح، فقدمن أربع رقصات تقليدية في بلدانهن، وأدهشن الجمهور بإتقانهن مواهب فنية مختلفة من رقص وغناء…

بعد العرض أفسح في المجال لنقاش بين زينة دكاش وأبطال عرضها وبين الجمهور، وطرحت أسئلة حول الهدف من العرض والرسالة التي يوجهها العمال الأجانب إلى اللبنانيين، وهي: عدم التمييز بينهم وبين أبناء البلد، وتحسين نظام الكفالة ليحفظ حقوق العامل ورب العمل على السواء، ويمنع الدخول غير الشرعي للعمال الأجانب… يشار في هذا المجال إلى أن ثمة سعي من المجتمع المدني إلى تعديل هذا النظام.

مؤسسة كثارسيس

الممثلة زينة دكاش معالجة الواقع عبر الدراما، أسست المركز اللبناني للعلاج بالدراما (كثارسيس)، وهو الأول في الشرق (2007)، حائزة ماجستير في علم النفس السريري، ومسجلة لدى جمعية أميركا الشمالية للعلاج بالدراما. منذ 2006 تعمل في العلاج بالدراما في لبنان والشرق الأوسط، حصدت جوائز لمساهمتها في مجالي الخدمات والمبادرات الاجتماعية.

يُقدّم كثارسيس خدماته وبرامجه في الأطر الاجتماعية والتعليميّة والعلاجية المختلفة كمراكز إعادة التأهيل من الإدمان، ومراكز العناية بالصحة العقلية والنفسية، المستشفيات، السجون، المدارس، المسارح والشركات… من بينها:

بناء فريق العمل، معالجة الإجهاد، وتعزيز التواصل. كذلك يعمل داخل عيادته الخاصة مع الأفراد والمجموعات الراغبين بتخطي مشاكل خاصة وتحسين نوعية حياتهم.

يؤمن المركز بأن دمج الدراما والفنون التعبيرية مع العلاج طريقة فعّالة تُساعد في حلّ المشاكل وتعزيز النمو والرفاه لدى الأفراد والمجموعات، وبأن الفنون تسمح ببناء الجسور بين الثقافات وفئات المجتمع المختلفة.

يستخدم المركز الدراما لأهداف علاجية ويَمنح الفرد دوراً فاعلاً خلال علاجه في جوّ سليم وآمن يقبله ولا يحكم عليه، ويسمح له بالتعبير عن نفسه، وفقاً للمعايير الأخلاقية المعتمدة في العلاج بالدراما، وعبر توفير وسيلة فعّالة للتعمّق في الصعوبات والتعامل مع المعاناة المحدّدة لدى مجموعة متنوعة من المستفيدين من العلاج، بمن فيهم الأكثر عُزلة وحرماناً.

في بعض الحالات، يُمكن أن تُؤدي جلسات العلاج بالدراما إلى عمل فني- كالمشروع المسرحي الرائد ” 12 لبناني غاضب”، كتابة وإخراج زينة دكاش، أبطاله سجناء سجن روميه ( 2009)، باعتباره وسيلة للمُناصرة وتعديل القوانين وتغيير السياسات والممارسات المجحفة، إيصال رسالة إلى المجتمع وصانعي القرار.

لتحقيق رسالته، يعمل مركز كثارسيس على بناء القدرات المحترفة في مجال العلاج بالدراما، ويُقدِّم التدريب والتوجيه للراغبين بالعمل في هذا المجال في لبنان والمنطقة العربية.

اترك رد