د. عبدالله بوحبيب
تذكّر اللبنانيون من دون شك الشغور الرئاسي في مناسبة عيد الاستقلال وامتناع الدولة عن إقامة الاحتفالات التقليدية. فرئيس الحكومة رفض ان يحل مكان رئيس الجمهورية، فكان العيد باهتاً رطبته الامطار التي أتت بها «ميشا». هذه المناسبة تقودنا الى تقييم إدارة رئيس الحكومة تمام سلام لشؤون الدولة، بالاضافة الى الشغور الرئاسي.
الرئيس سلام، وان لم يمارس كل صلاحيات رئيس الجمهورية، يتصرف تماماً كـ «رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن»، من دون أن يتطفل على احد، او يتعرض للمسؤوليات المنوطة فقط برئيس الجمهورية. ان إدارة الرئيس سلام لاعمال الحكومة وعلاقته وتصرفه مع زملائه الوزراء، تذكرنا بالدور المنوط اجمالاً برئيس الجمهورية، والذي لم يُمارَس منذ ان أعاد الطائف تحديد دوره الجديد.
إن إدارة الرئيس سلام للأزمات التي تواجه الوطن ومجلس الوزراء، والتي تتماهى مع الدور الذي رسمه الطائف لرئيس البلاد، تنسي اللبنانيين الى حد بعيد الشغور في رئاسة الجمهورية. انه يتصرف كـ «أب» للبنانيين بعيداً من المحاصصة، ومعتمداً قاعدة بان نجاح اللبنانيين، وخاصة الوزراء في حكومته، هو نجاح له وللبنان. لا يصنف اللبنانيين، وبالأخص السياسيين على قاعدة «معي او ضدّي»، فهم متساوون في نظره في الحقوق والواجبات في خدمة الوطن.
إن ممارسة الرئيس سلام إدارة أعمال الدولة في غياب رئيس للجمهورية، جعل الكثيرين من اللبنانيين يتسامحون مع عدم وجود رئيس. المسيحيون المصّرون على انتخاب «رئيس قوي» يفضلون الوضع الراهن على ان ينتخب رئيس من دون حيثية مسيحية، ويعتقدون ان رئيساً ضعيفاً لن يكون قيمة مضافة الى الوضع الحالي. المسيحيون المصرون على انتخاب رئيس فوراً يتعاطون ايضاً مع الرئيس سلام كأن ليس هناك شغور في مركز الرئاسة.
هذا الوضع لا يعني ان لبنان ليس في حاجة الى انتخاب رئيس للجمهورية. فالاعراف والمتطلبات السياسية والديبلوماسية واسباب اخرى، تتطلب من مجلس النواب ان ينتخب رئيساً في اسرع وقت ممكن.
لكن كيف؟
انتخاب الرئيس منذ الاستقلال كان يتطلب ترجيح المسلمين كفة احد المرشحين الموارنة. لكن بعد انتهاء الوصاية السورية وبدء الانقسام المذهبي في المنطقة ولبنان، اصبح فشل مجلس النواب في انتخاب الرئيس منتظراً. عام 2008 اختار لهم المجتمع الاقليمي رئيساً بمباركة دولية بعد شغور دام ستة اشهر.
اليوم اصبح الوضع اكثر تعقيداً، وغاب عن السياسة الاقليمية التسامح والقبول بالآخر المختلف. بات المجتمع الاقليمي رافضاً انتخاب رئيس غير موال لأي من الاطراف المعنيين، مما ينعكس بقوة على التكتلات اللبنانية. مثلاً، بعدما نجح العماد ميشال عون في تبديد سوء التفاهم مع الرئيس سعد الحريري، واقنعه، حسب ما أشيع بانه يستطيع ان يكون الرئيس الحَكَمْ، اتى فيتو اقليمي ليعيد الكرة الى البداية.
القيادات السنية والشيعية وبعض القادة المسيحيين يصرون راهناً على ان « الطابة « عند المسيحيين وخاصة الموارنة، بالرغم من ان ذلك لم يحصل منذ الاستقلال وحتى انتخاب الرئيس رينه معوض، حين كان النواب المسلمون يرجحون كفة احد المرشحين الموارنة. لكن اذا كانت «الطابة» فعلاً عند الموارنة، فكيف يختار الموارنة احدهم ليثبّت لاحقاً من مجلس النواب، كما حصل في اختيار الرئيس السابق.
في نظري هناك ثلاثة سيناريوهات لاختيار الموارنة احدهم مرشحاً:
• الاول يتطلب اتفاق القيادات المارونية على احدهم مرشحاً. لقد اجتمع هؤلاء في بكركي في حضور غبطة البطريرك واتفقوا على ان يكون احدهم رئيساً، من دون ان يتفقوا على واحد منهم.
• الثاني ان يجتمع النواب الموارنة او المسيحيون وينتخبوا مرشحاً.
•الثالث هو الاحتكام الى الشعب بدءاً بالموارنة والمسيحيين.
لن تكون نتائج السيناريوهين الاخيرين مختلفة عن الاول. سيختار الموارنة او المسيحيون احد القادة الاربعة لان يكون احدهم رئيساً. هنا يبرز سؤال تلقائي: هل يقبل المحوران الاسلاميان بالنتائج التي يفرزها الموارنة او المسيحيون؟
الاشارات التي نسمعها من هؤلاء سلبية. القادة المسلمون يريدون من الموارنة والمسيحيين ان يختاروا مرشحاً يعتبره الموارنة ضعيفاً. هذا لن يحدث! لا يمكن ان يجتمع الموارنة او المسيحيون ويتفقوا على مرشح ضعيف لرئاسة الجمهورية. ان مرشح الموارنة والمسيحيين سيكون دائماً احد القادة الاربعة كما اشير سابقاً. فهل يرضى الطرفان المسلمان بالنتيجة؟
مرة اخرى، ان انتخاب رئيس للجمهورية كان ويجب ان يستمر خياراً لبنانياً، وليس خياراً مارونياً او مسيحياً، او اقليمياً او دولياً حتى. كذلك يجب ان يكون خيار رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة، والا سنستمر في الانتقال من أزمة الى اخرى.
*****
(*) السفير، الخميس 27 تشرين الثاني 2014