قضية أُوسكار ﭘــيستوريوس (العَـدّاء الـﭙـارالِمـﭙـيّ الأَفريقي الجنوبي المبتور القدمَين) لا تزال تتردّد في الأَوساط القضائية بعدما صدر قرار محكمته: طالب النائب العام بسجنه عشر سنوات عقاباً له على قــتْل صديقته فصدَر الحكم مُـخفَّفاً بسجنه ثلاث سنوات فقط لأَن إِعاقته الجسَدية تتطلَّبُ عنايةً طبية خاصة ليست متوفرة في السجن ولا يمكن تأْمينها كما يجب، فقررت هيئة المحكمة تقليص عقوبته كي لا يؤثِّر على حياته التقصيرُ في متابعته الطبية.
أَما حياة الضحية التي قضى عليها ففي حساب العدالة لم تكن بمستوى حياة الجاني. وأَخذت المحكمة بِـحملةٍ أَثارتْها الصحافة انتصاراً للعدَّاء المعاق جسدياً، وبِـحجّة أَنه لم يقصد قتلها.
هذا عن العدالة في جوهانسبورغ. وفي طهران أَرسلَت العدالةُ إِلى المشنقة مهندسة الديكور الصبية ريحانة جباري لأَنها قتلَت طبيباً جرّاحاً متعاملاً مع الاستخبارات الإِيرانية قاربَها معتدياً عليها جنسياً وجسدياً فطعنتْه وهربَتْ. ورغم نداء منظمة العفو الدولية للصفْح عنها لأَن محاكمتَها “غير نزيهة” واعترافَها بالجريمة جاء قسراً تحت الضغط، ورغم إِعلان خبير الأُمم المتحدة أَنّ المحكمة لم تأْخذ في الاعتبار جميع الأَدلّة التي تُبرِّئُ الصبيّة، فالقرار الحازم صدَر: تنفيذ الإِعدام بها شنقاً. والصوتُ الوحيد الذي صدر عقِب الشنق كان من صفحة فايسبوك أَنشأَها متضامنون مع قضية ريحانة جباري جاء في ختامها: “فَــلْـــتَـــرْقُــدْ بِسَلام”.
هكذا إِذاً، ميزانُ العدالة ليس مستوياً في كلّ مكان من عالم اليوم: مرةً يُخفَّض الحكْم لاعتبارات “إِنسانية” رغم ثبات النيّة في الجريمة، ومرةً يُــثَـــبَّـت الحكْم لاعتبارات “ذُكُورية” رغم عدم ثبات النية في الجريمة. في جوهانسبورغ تعاطفَت المحكمة مع عطف الرأْي العام، وفي طهران لم تتعاطف المحكمة مع نداءات العطف والعفو.
هل يُعقَل، في عصر حقوق الإِنسان، أَن تكون العدالة “على القياس”: مرةً إِلى جانب الجاني، ومرة إِلى جانب الضحية؟
هل يمكن العدالة، المعقود عليها كلُّ أَمل، أَن تكون عمياء عرجاء خرساء صمّاء ولا تكون كلمتُها عليمة حليمة حكيمة في كل محاكمة وعلى كلّ قوس؟
في تاريخ الـمَحاكم ملفَّاتٌ عدّة فتَحَها القضاء ولم يُكمِل. فَـتحَها ولا تزال مفتوحة. بدأَت معلومةَ التفاصيل ثم غابت عنها التفاصيل فباتت مجهولة العقوبة والعواقب، ولا جدوى معها لنداءات منظمة العفو الدولية ولا لجلسات المحكمة الدولية ولا لاجتماعات مجلس الأَمن ولا لمحاولات الهيئات التي تؤْمن بالعدالة رجاءً للحماية.
هذا العالم المتوغِّل في التقدُّم التكنولوجي لا يزال بعيداً عن حماية الإِنسان من تَـوَغُّل حُكْم الغُــول في شريعة الغاب.
******