رسائل مهربة إلى السَّماء (*)

الأديب إيلي صليبي

elie saliby

ناطحُ جدارِ السَّماءِ، أنا،
خائبًا أعودُ في كلِّ مرَّة.
لكنَّني كالذُّبابةِ أحومُ ولا أرتدعُ،
حولَ وليمةٍ لا يستحبُّ من أولمها أن تزعجَ ضيوفَه.
أكابرُ، وأتسلَّقُ سُلَّمًا وهميًّا، أسندُه إلى حائطِ الغمام، وأروحُ أنطحُ السَّماءَ،
يائسًا أعودُ في كلِّ مرَّة.
وكأنَّني الفأر الذي يتمخَّضُ، عبثًا، علَّه يلدُ جبلا.
أعاندُ، أنازلُ المستحيل،
وكأنَّني القرصانُ الذي يبحثُ، من دونِ جدوى، عن سفينةٍ في البرِّ لينقضَّ على كنزِها المرصود،
محطَّمًا أعودُ في كلِّ مرَّة.
متى أفهمُ أنَّ للسَّماء سورًا مضرَّجًا بدماءِ الغزاة؟
ومتى أكفُّ عن مغامرةِ فتحِ فجوةٍ فيه، برأسيَ الفارغِ إلَّا من الغرور؟
ويحي… !

***

زارعُ العصيرِ، أنا، ظنًّا منِّيَ بأنَّ الخمرةَ تُنبتُ الدَّوالي.
كرَّامَ الأرضِ المحروقةِ، أنا،
أَفلحُ، فلا أُفلِحُ،
أَبذُرُ،
أُبذِّرُ،
والحصادُ هباء.
قاطفُ الهواءِ، أنا،
أجمعُ منه فائضَ ما لا تطيقُ رئتاي.
وكأنَّني أكنزُ في صدري نسَمًا أخشى نُدرتَه،
وكلَّما تفقَّدتُهُ زفرتُهُ،
لجهليَ مقتضى التنفُّسِ وسَعةَ الصدر.
ويحي.

***

عابرُ سبيلٍ، أنا،
كبائعٍ متجوِّل يدفعُ أمامَه عربة، كدَّسَ عليها الأحلامَ والأوهامَ.
محبطًا أعودُ في كلِّ مرَّة.
مَنْ جشَّمني الضَّنكَ؟
مَنْ علَّلني بالعلى؟
من دفعَ بي إلى أرَقِ اللَّيالي، وتقاعُدِ النَّهارات؟

***

aber sabil

(*) من كتاب “رسائل مهربة إلى السَّماء”

اترك رد