الأديب نعيم تلحوق
لا كلام يحوزني حين يحضرني الغياب… وجوهٌ تنأى الى أبعد المسافات، لترتجي حظوةً فاتتها في الحضور… الموت مصنوع للفقراء؛ لأنهم مسجونون في كبد الأرض، لا حاجة للسماء بهم…
في الأضحى يغيب ابن عمّتي الشاعر والمترجم حكمت تلحوق الذي كان أحد أصدقائي في القبيلة التي وُلدنا فيها… كان هاجسه الخلق والابتكار لا الخوف والانكسار… كنّا معاً ننشد أغاني الوطن ، ورحلة الغيم باتجاه الريح ،هكذا كنّا ، وبقينا ردحاً نتكلم في الشعر والأدب والابداع، و”المافيات الثقافية”، دون دراية منّا أننا ننتمي فطرةً الى نسبٍ عائلي واحد…
أسرني تغرّبي عن عشيرتي التي يعوزها الكلام لتكون ، دون فاتحة الصمت.. أنا هربت من الكلام اللغو، ولجأت الى صيغةٍ أبعد، أن اكتشف نفسي في الأشياء بصمت… فخرقت البروتوكول الاجتماعي للمناخ الذي أنتمي إليه، وكان حكمت تلحوق واحداً من الكائنات المدنية التي علّمتهم المدينة الجمع بين الحاضر والماضي دون هوادة، بين أن تكون أنت نفسك أو أن تكون داخل الآخرين…
بعدما سمعت بمرضه قلت بنفسي لن أراه، لن أتكلم معه، فالكلام سخافة في موقفٍ مريب… وجدت أن الصمت هو درب الفاتحة، وهو لغة الشعراء.. أريد للذين أحبّهم أن يكونوا حاضرين بي في صورهم الجميلة… وهكذا كان… ارتجيتُ أن تكون آخر صورة لي عن حكمت هي: “شو آخر قصيدي كتبتها يا نعيم..” أو “بدّي أصدر ديوان جديد بدّي رأيك فيه وتنصحني بشي دار نشر مهم”…
كلُّ هذا عربَسَهُ المرض، والزمن، والعمر، وبقيت اللغة تحدّثنا عن أشياء لا نفهمها، كأنها تصير سراباً…
عزائي وأنت في الهزيع الأخير من الليل، أن أرسم لك وطناً يتفهّم غربتنا، فلا نكون غرباء فيه، ولا شركاء، بل مواطنين أصحّاء، الكلمة فيه مصانة، والحرية مسؤولة، والحب قصيدة، والانتماء أرضٌ وسحرُ خلق ورحمُ عشقٍ للوقت، وشرف محاولة الابداع ومحاورته…
هكذا يولد الزمن فينا، فيطلع صبحٌ وتستوي شمسٌ، ونقرأ فاتحة الكلام على نيّة الصمت، ونذهب الى شوقي أبي شقرا في “نهار” الزمن الجميل، لنقول له وقّع تحت هذا البيان القصيدة وأمرك على الله”…
لقد أنهيت حياتكَ ، كما بدأت كتابكَ الأول ” من وحي الصمت” ، وسرت في طريق أشعاركَ ” كنوز الأشعار الذهبية ” مع أجمل ترجمة لقصائد شعراء ، غابوا مثلك بصمت دافيء…
عزائي، لنفسي، بصديق الحياة، حكمت، أن أعلن لـعَيْدا زوجته، ولسامر ونادر وجويس وغريس أولاده، أني سأفتح طريق الكلام بعد الفاتحة… “الأرض استردَّت إبنها، فاتركوا السماء لأبناء السماء…”
****
بالاشتراك مع aleph- lam
www.georgetraboulsi.wordpress.com