بين التلاعب وشروط النجاح

الباحث خالد غزال

لم يسقط الإرهاب فجأة من سماء صافية، بل تعود جذوره عربياً الى عقود، تسببت عوامل متعددة في khaled-ghazalظهوره وانتشاره. من الهيمنة الاستعمارية وعنف المشروع الصهيوني المدعوم غربياً، الى استبداد الأنظمة الحاكمة، الى التمييز بين المجموعات التي يتكون منها المجتمع، الى فشل مشاريع التنمية وسيادة الفقر والبطالة والتهميش التي أدخلت في «نعمها» الغالبية العظمى من الشعوب العربية، الى التوظيف السياسي للدين وتأجيج التعصب والكراهية بين أبناء المجتمع… كلها عوامل أنتجت هذا الإرهاب المندلع، مما يعني ان التصدي له محكوم بأن يطاول مجمل الأسباب التي أنتجته.

لا شك ان الانتفاضات العربية فجرت الإرهاب الكامن في بنى المجتمعات العربية نتيجة الأسباب المشار اليها. لكن الإرهاب الذي يطاول «داعش» وأخواتها لم يكن له ان يتخذ هذه الأبعاد لولا تضافر عناصر متعددة. أول العناصر هو التلاعب الدولي بهذه الظاهرة عبر تسهيل دخول الإرهابيين الى دول الانتفاضات خصوصاً في سورية والعراق، وفق منطق يقول بأن خير وسيلة لإبعاد الإرهاب عن المجتمعات الغربية هو تسهيل دخول العناصر الإرهابية الى البلدان العربية وتشجيع قتالها لبعضها البعض بما يقضي على قواها.

والعنصر الثاني في التلاعب مارسته الأنظمة التي اندلعت فيها انتفاضات خصوصاً في سورية، حيث أفرج النظام عن المعتقلين المتهمين بالإرهاب، وساعد في دخول آخرين، وأمّن تنظيم وجودهم في الأماكن التي تسيطر عليها المعارضة، ووضعهم في مواجهة «الجيش الحر»، فوجّه ضربة في الصميم الى الانتفاضة السورية. وفي العراق، لعب حكم المالكي الدور المشابه لما حصل في سورية عبر تحويل الجيش العراقي الى جيش طائفي مارس التمييز والتعصب والقهر ضد مجموعات أساسية في البلاد، مما أجّج العنف بين المجموعات العراقية.daech

وقد ساعد التدخل الإيراني وسياسة دعم مجموعات طائفية على توليد ردود فعل مضادة ذات طابع مذهبي. والعنصر الثالث، تمثل في التوظيف الفظ للنص الديني بما يبرر العنف باسم الدين ويعطيه أبعاداًَ شرعية، وهذا العنصر لم تكن الولايات المتحدة الأميركية بعيدة عن استخدامه. فمنذ اندلاع الانتفاضات، وقبلها بسنوات، تبنت الإدارة الأميركية نظرية المراهنة على الإسلام السياسي وتشجيع صعوده، في وصفه بديلاً عن الأنظمة التي ساندتها طويلاً، وبنتيجة تعهدات من تنظيمات هذا الإسلام بحماية المصالح الأميركية بما فيها أمن اسرائيل.

طوال السنوات الماضية، لم تكن الولايات المتحدة تشعر بأن هذا الإرهاب المندلع والمودي بآلاف الضحايا كل شهر يشكل تهديداً لمصالحها ولأمنها القومي. فجأة، ولأن «داعش» أعدمت مواطنين أميركيين، استفاقت الإدارة الأميركية على هذا الخطر الذي ساهمت في بنائه ورعته رعاية جيدة، فتحول الإرهاب الإسلامي في المنطقة العربية الى خطر عالمي يهدد جميع قارات العالم. من السخرية ان يكون مقتل مئتي الف مواطن سوري وعشرات الآلاف من أبناء العراق، وغيرهم في ليبيا واليمن، لم يستثيروا وعي حكّام الدول الغربية بأن إرهاباً يسود ويدمر ويقتل.وهي مسألة تفضح زيف نفاق الإدارت الأميركية والغربية حول حقوق الإنسان التي لا تتحقق سوى مع المجتمعات الغربية، كما تكشف حقيقة النظرة العنصرية الغربية الى الشعوب العربية بوصفها مجموعات من البرابرة، لا تستحق ان يموت جندي غربي دفاعاً عنها.daech 1

أما وقد اصبحت المعركة ضد «داعش» معركة فعلية كما يبدو، فإن اسئلة متشككة حول المعركة وإدارتها تظل تفرض نفسها. الظاهر حتى الآن هو توجيه ضربات عسكرية الى مواقع «داعش» من دون غيرها، وعدم التحرك على الأرض، وهذه وسيلة تضعف التنظيم لكنها لا تنهي وجوده، مما يحتاج الى تحركات برية. سؤال آخر، هل يمكن ان يتم القضاء على هذا الإرهاب في ظل كلام يجري الهمس به عن تنسيق مع النظامين السوري والإيراني، المسؤولين مباشرة عن تغذية هذا الإرهاب وتوظيفه؟ هل ستكون المعركة ضد الإرهاب مناسبة لمقايضات دولية وإقليمية خصوصاً بعد المواقف المعترضة لروسيا والصين وإيران وسورية، وما الأثمان التي ستدفع، وما الترتيبات الجاري البحث فيها؟

في المقابل، اذا كانت المعركة مفتوحة عالمياً ضد الإرهاب بمعناه الأوسع من «داعش»، وتدخل فيه دول عربية يتغذى الإرهاب من الثقافة السائدة فيها ومن مناهج التعليم التي تساهم في ولادة إرهابيين، ومن فتاوى المؤسسات الدينية، ألا يستلزم ان تطاول الحرب هذا الجانب المجتمعي الثقافي؟ ثم كيف ستستقيم الحرب ضد الإرهاب فيما يمارس الإرهاب الصهيوني على الشعب الفلسطيني ويمعن في تقتيل أطفاله بشكل دوري؟ ان معركة التصدي للإرهاب أبعد وأشمل من ضربات عسكرية محدودة، يرى محللون عسكريون انها لن تستطيع ان تستأصل هذا الإرهاب في المدى القريب، مما يجعل الخوف من التلاعب مجددا بهذا الملف خوفاً مشروعاً.

اترك رد