الأديب إيلي مارون خليل
إحلم، يا رجل!
إحلم! لكن إيّاك أن تقع في الخيبة!
ومَن يوقعك في الخيبة؟
اثنان يوقِعانك في الخيبة المُرّة، أو في مرارة الخيبة، هما: أنت، والآخر الّذي جعلتَه حلمَك!
كيف!؟
أنت، عليك أن تكون ناضجًا، أي واعيًا ومسؤولًا؛ وواثقًا، أي قويًّا ورائيًا، وموضوعيًّا، أي واقعيًّا ومنطقيًّا؛ ورصينًا، وحكيمًا، بعيدًا عن المِثاليّات الّتي تضرّ بك، بنا، في أحيانٍ كثيرة، لأنّنا نوقع أنفسَنا في المبالَغات غيرِ المستحَبّة، وغيرِ المعقولة، ولا المقبولة!
فالعاشقُ، الحقيقيُّ، إجمالًا، يجافي النّضجَ والوعي والمسؤوليّة. في هذه الحالة، هو هائمٌ، سكران، غيرُ منتبِهٍ لضرورة أن يكون ناضجًا. إنّ عشقَه الفائضَ، يُحتِّمُ عليه الهيام المُسكِر. ومعروفٌ أنّ السّكران بالحبيبة، لا يرى لها عيوبًا، ولا يجد فيها إلّا صورةَ الكمالِ الأبعد. فهل يُعقَل لمخلوقٍ، مهما بلغ في العلم شأوًا، وفي الثّقافة بُعْدًا، أن يكون المِثالَ، متجسّدا في الحبيب ماشيًا على الأرض!؟
هكذا، إذًا، يا رجل! إن حلمْتَ بِمِثاليّة، وكنتَ غيرَ ناضجٍ، أو واعٍ، أو مسؤول، وقعتَ في الخيبةِ المُرّة والسّوداء الّتي هي ارتدادٌ مأسويٌّ إلى أعماق الذّات، فتظهر عليك، وتحيا فيها، هذه الكآبةُ السّوداءُ، فتدفعك، دَفْعُا، إلى الكسل، وتنسدّ، بوجهك، الآفاقُ، مهما بعدَتْ. مهما تَرامتْ! تجعلك الكائن اليائس، المتقوقِع في أفياء نفسِه، الخائف من الأحلام، تودي به إلى التَّهلِكة. ولاتَ ساعة مَندَمِ!
وحلمُك، يا رجل، يجبُ أن ينسجمَ وواقعك. تفهّمْه، هذا الواقع، جيّدًا، من مختلف اتّجاهاتِه وحاجاتِه وضروراتِه، ليأتِ حلمُك صائبًا، وفي الاتّجاه عينِه. إلّم يكن كذلك، وقعت في خديعة ذاتك، وتاليًا، فتحتْ لك الخيبةُ ذراعَيها، على امتدادهما؛ وحُضنَها، على وساعته؛ وشَرَعَت لك أبوابَ الوحدة واليأس الفاغرة أفواهَها لتبتلعك، فتقضي على حياتك، وأنت على الأرض تعيش لا تحيا!
تفحّصْ حلمَك، بخبرةٍ وموضوعيّة، فوق ما تستطيع. فالخبرة دربُ الرّغبةِ والقدرة. والموضوعيّة عِلاجُ التّهَوُّرِ والاندفاع الأعمى.
أدرسْ، يا رجلُ، “مَضمونَ” حلمِك. أدرسْه جيّدًا. قلّبْه على جهاته كلِّها. لا تتركْه يسوقُك، لئلّا تنساقَ، فتُذلّ ذاتَك، وتنكسرُ مقهورًا، تنسدّ، أمامك، الآفاقُ، وتجعلُك ريشةً رقيقةً “في مهبِّ الرّيح”! ما أنت للضّعفِ، يا رجل! ولا أمام أيّ حلمٍ!
إحلم، يا رجل! إحلم! واجعلْ حلمَكَ علاجَك من أسَنِ واقعِكَ وعيشِك.
لا شَكّ، يا هذا، في أنّ الحلم الجميلَ، علاج البَشاعة، مخفيّةً وظاهرة، في هذا العالم!
إحلم! فقد تُنقِذ نفسَك من البَشاعة والكآبة، والعالَمَ من البشاعة والانحِطاط.
داوِ نفسَك بالحلم!
إحلم!
ألخميس 21- 8- 2014