هيروشيمـا … مشهد إبادة نووية

الأديب ميشال معيكي

michel-maiike-1قبل أيام مرّت ذكرى أول غارة نووية في تاريخ البشرية!

صبيحة 6 آب 1945 ، وكانت الحرب العالمية الثانية توشك على الإنتهاء . بأمر من الرئيس الأميركي Harry Truman أسقطت القاذفة الستراتيجية Enola Gay ” هديّة الدّمار” الشامل المشعّ فوق مدينة هيروشيما اليابانية .

ثمانون ألف إنسان قضوا في اللحظة الأولى ! سبعون ألف محروقٍ مشوّه، ماتوا على مراحل!

دمارٌ ساحق !! هيروشيما صارت حقلاً سورياليا!!!

على الفور وبعد ظهور المجزرة – المأساة، أعلن الرئيس ترومان:

” إذا لم يقبل اليابانيون شروطنا، فليتوقعوا دمارا لم يعرفه البشرُ من قبل !”

تبريرُ ” أخلاقية ” سحق مدينتي هيروشيما وناكازاغي بهذه الفظاعة، لا تزال حتى اليوم ، مسألة نقاشٍ وستبقى ! فالرئيس الأميركي ظل مقتنعا بصوابية ما فعل وغير نادم حتى وفاته!!

كانت الحجة انّ اميركا ، نفّذت مقررات مؤتمر ﭙوتسدام ، الذي وقعته اميركا وبريطانيا والإتحاد السوفياتي في 26 تموز 1945 ( ترومان – ستالين – تشرشل ) والقاضية بإستسلام جيش اليابان دون قيد …

قبيل افتتاح المؤتمر آسرّ ترومان لستالين بجهوزية القنبلة الذريّة الأميركية ! فقد كان مطّلعا على مشروع مانهاتن للأبحاث العسكرية في اميركا.

في مذكرات الجنرال ايزنهاور( القائد الأعلى لقوات الحلفاء في اوروبا واليابان يومها ) : ” زارني في مقر القيادة في ألمانيا، وزير الدفاع الأميركي Henry Stimson وأعلمني بقرار الرئيس ترومان قصف اليابان بالقنابل النووية، لإنهاء الحرب بأقصى سرعة ” … يتابع إيزنهاور

” إنتابني شعور خطير بالأكتئاب . وصعقت ! حاولت إقناعه بان اليابان هُزمت وستقبل بالإستسلام، تطبيقا لمقررات مؤتمر ﭙوتسدام ، وبأن لا حاجة لإستخدام هذا السلاح الرهيب ، وبأن الرأي العالمي لن يسامح أميركا على هكذا جريمة حرب . فلم يقتنع!”

وكتب الجنرال الأميركي Douglas Macarthur (القائد الأعلى لقوات الحلفاء جنوب المحيط الهادئ ) وكان معارضا عنيفا إستعمال السلاح النووي : ” لم تكن اية حاجة لإستعماله ، فاليابان كانت ساقطة عسكريا ، والحرب لا تبرر قتل مئات الآف الأطفال والنساء بهذه البربرية ، التي من عصور الظلام!”

***********

ذكرى هيروشيما تعيد طرح السؤال حول مخاطر التسلّح النووي والتسابق لإقتنائه بين الدول، وخطورة إحتمالات وصوله الى الإرهابيين والجماعات الجهادية المنتشرة في العالم ، حيث لا رادع أخلاقيا او انسانيا، عندها لإستعماله …

في عزّ الحرب الباردة وتحديدا في كانون الاول 1953 وقف الرئيس الاميركي إيزنهاور في الأمم المتحدة وألقى خطابا بعنوان : ” الذرة من اجل السلام “، ودعا لإستخدام سلمي للطاقة النووية . ذكرى هيروشيما – ناكازاكي كانت لا تزال حيّة في الوجدان الأميركي والعالمي ..

ولدت المفاعلات النووية مطالع الخمسينيات في الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي وفي بريطانيا وفرنسا سنة 1956 والمانيا سنة 1961 وبعدها اليابان . الصين في العام 1991.

تقول الإحصائيات ان المحطات النووية تفوق الألفين موزعة على اربعين دولة
الإقبال العالمي على الطاقة النووية مبرر ، فوسائل الإنتاج القديم للطاقة ، من خلال النفط ، ملوّثة وبدأت تشحّ . وأسعار النفط متقلّبة وأن الدول المصدّرة بؤر غير مستقرة سياسيا وامنيا وتحديدا في الشرق الأوسط..

أسئلـة تطرح :

– ماذا عن انظمة السيطرة والأمان داخل المنشآت النووية في العالم ؟ نتذكر مفاعل ثري مايل ايلاند في اميركا 1977 وكارثة مفاعل تشيرنوبيل في اوكرانيا ، ثم كارثة فوكوشيما.

وماذا عن مخاطر اعمال الإرهاب المحتملة في الدول النووية غير المستقرة كالباكستان مثلا ؟! وماذا عن تقادم المفاعلات وأكلاف صيانتها؟ والأهم كيف نحمي البشر من مكبات النفايات النووية المشعّة، التي يستمر نشاطها الف سنة على الأقل!

إنه زمن نِعَم العلم ، ومغامرة النوم على خيط حرير مشعّ!

***********

(*) “على مسؤوليتــي” إذاعـة صوت لبنـان

اترك رد