آلية حاسمة لانتخاب الرئيس في المهلة الدستورية

بقلم: د. عبدالله بوحبيب

يتزامن موسم الانتخابات الرئاسية في تاريخ لبنان منذ الاستقلال مع نشوب أزمات سياسية، يرافقها أحياناً العنف والتدخل الخارجي سياسياً وعسكرياً، مباشراً وغير مباشر. إلى abdallah-bou-habib-1ذلك، عانى اللبنانيون ويعانون حالياً، الكثير من التداعيات السلبية للشغور الرئاسي الذي حصل بعد فشل مجلس النواب في أيلول 1988، وتشرين الثاني 2007، وأيار 2014 في انتخاب رئيس للجمهورية.

يعتبر البعض، والمسيحيون خصوصاً، أن الشغور في مركز رئيس الجمهورية إخلال بالميثاق الوطني خاصة وأن الدستور لا يسمح بشغور في مركز رئاسة الحكومة، ولم يحدث أي شغور في مركز رئيس مجلس النواب منذ الاستقلال. كذلك، فإن بعض المواد في الدستور المتعلقة بانتخاب الرئيس غير واضحة، وأخصها ما يتعلق بالنصاب القانوني لدورات الاقتراع.

من المهم الإشارة أيضاً إلى أن النظام الحالي يسمح بالتدخل الخارجي في عملية انتخاب الرئيس. يشير تاريخ انتخابات رئيس الجمهورية باستمرار، باستثناء انتخابات عام 1970، إلى تدخل قوى إقليمية ودولية في اختيار الرئيس. في بعض الأحيان كانت لتلك القوى الكلمة الأولى في اختياره، كما كان لها فيتو على مرشحين في أحيان أخرى.
وبالرغم من الاتهامات المتبادلة حول الفشل في إجراء الانتخابات الرئاسية، إلا أن الأكيد أن لبنان في حاجة ماسة إلى آلية جديدة لانتخاب رئيس الجمهورية:

• آلية تضمن بأن رئيساً للجمهورية سينتخب قبل انتهاء ولاية الرئيس الحالي.

• آلية تمنع الشغور والفراغ وتخفف من التدخل الخارجي واستعمال المال

• آلية تنبثق من الصيغة اللبنانية.

عالج مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية هذه القضية في أول مؤتمر له («صانعو رؤساء لبنان») الذي عُقد في حزيران ـ تموز 2007. وصدر عنه كتاب بعنوان «بحثاً عن رئيس يُصنع في لبنان»، يتضمن اقتراحات للمركز تأخذ في الاعتبار ما سبق. ترمي هذه الآلية إلى:

أولاً: تباشر عملية انتخاب رئيس للجمهورية قبل مئة يوم من نهاية ولاية الرئيس، بدعوة رئيس مجلس النواب أعضاء المجلس إلى دورة خاصة، مدتها أربعون يوماً، لانتخاب الرئيس الجديد، على أن يكون النصاب القانوني في كل الجلسات ثلثي العدد الأصلي لأعضاء المجلس النيابي. ويفوز برئاسة الجمهورية المرشح الذي ينال ثلثي الأصوات وما فوق، أي 86 نائباً من العدد الأصلي لنواب المجلس البالغ حالياً 128.

ثانياً: في حال فشل مجلس النواب في انتخاب الرئيس الجديد وفقاً للآلية والمهلة المحددتين أعلاه، تقوم الحكومة بدعوة الناخبين في كل الأراضي اللبنانية إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية بالاقتراع الشعبي غير المباشر، وذلك بعد خمسة أسابيع من انتهاء مهلة الأربعين يوماً المعطاة لمجلس النواب لانتخاب الرئيس. يجري الانتخاب بموجب لوائح الشطب المحضّرة بصورة نهائية في اليوم الأول لمهلة المئة يوم المحددة لانتخاب الرئيس، كما ينحصر التنافس في الانتخابات بالمرشحين الاثنين اللذين نالا أعلى عدد من الأصوات النيابية في جلسة يعقدها مجلس النواب خصيصاً لاختيارهما، بعد أسبوع من فشله في انتخاب الرئيس. ويكون النصاب القانوني في هذه الجلسة النصف زائداً واحداً ـ أي 65 نائباً من العدد الأصلي للنواب.

ثالثاً: يعتمد القضاء (القائمقامية) لجهة تحديد الدوائر الانتخابية وعدد النواب في كل دائرة. ويصير إلى فرز الأصوات في كل من الأقضية/ الدوائر الانتخابية، وينال الفائز رقماً مماثلاً لعدد المقاعد النيابية في الدائرة. وعلى سبيل المثال، يتمثل قضاء دائرة زحلة بحسب قانون الانتخاب الحالي بسبعة نواب، وبالتالي يكون لهذه الدائرة سبعة «أصوات انتخابية» ينالها الفائز بالأصوات الشعبية لدائرة زحلة.

رابعاً: يفوز في الانتخابات الرئاسية غير المباشرة المرشح الذي ينال أكثرية 65 صوتاً وما فوق من أصل 128 صوتاً، تمثل مجموع أصوات الدوائر الانتخابية في كل لبنان، والذي يتنافس عليها المرشحان الرئاسيان. ويفوز المرشح الأكبر سناً في حال تعادلت الأصوات.

إن آلية انتخاب الرئيس بأكثرية الثلثين في مجلس النواب، أو بالانتخاب الشعبي غير المباشر، تعزز الوحدة الوطنية وتتفادى إشكالية أن يؤدي انتخاب رئيس بأكثرية بسيطة (النصف زائداً واحداً) إلى إضعاف القاعدة الشعبية والسياسية التي يستند إليها. كما تنسجم الآلية مع روحية الميثاق والدستور بحيث يشكل انتخاب رئيس جديد بأكثرية نيابية مريحة، أو من خلال الانتخاب الشعبي غير المباشر، ضمانات أكبر لاحترام دور الرئاسة في السهر على الدستور والحفاظ على استقلال لبنان وسلامة أراضيه.

والأهم، أن الاقتراح يعطي آلية حاسمة نهائية لانتخاب الرئيس وتفادي حالات الشغور والفراغ والشلل وتعطيل المؤسسات التي تؤدي جميعها مع الوقت إلى فوضى شاملة. يتحقق في كلتي الحالتين دعم شعبي ومعنوي وبُعدٌ سياسي لدور الرئيس بصفته الدستورية، كرأس للدولة ورمز لوحدتها، بالتوازي مع التمسك بالنظام البرلماني والحفاظ عليه.
وتشكل الآلية بشقيها ضماناً لعدم طغيان أكثرية عددية، طائفية أو مذهبية أو سياسية، على سائر اللبنانيين لو انتخب الرئيس بالانتخاب الشعبي المباشر أو بأكثرية النصف زائداً واحداً.

تعزز الآلية المقترحة حظوظ المرشحين لرئاسة الجمهورية الذين ينتهجون سياسة مرنة ومتوازنة على الصعيد الداخلي، ويتحلون بمواقف جريئة وحكيمة على صعيد السياسة الخارجية تعبّر عن الحرص على دور لبنان ومصالحه العليا في خضم التجاذبات والصراعات العربية والإسلامية.

كذلك تدفع الآلية الخارج إلى احترام السيادة اللبنانية المتمثلة بالسلطات الدستورية والقوى السياسية كإطار ناظم للديموقراطية، وبالتالي الحد من خشية القوى الدولية والإقليمية من تحوّل لبنان قاعدة للقوى المنافسة، الأمر الذي يحد من تدخلها في الشؤون اللبنانية.

**********

السفير، الخميس 29 ايار 2014

اترك رد