وجه بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر يازجي رسالة الفصح، من مقر البطريركية في دمشق، جاء فيها:
المسيح قام، حقا قام! في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله. هذا ما جاء في إنجيل يوحنا. وهذه الكلمة هي يسوع المسيح الذي افتقد البشرية برسالة المحبة و”حل بيننا” أو بالأحرى حرفيا، كما جاء في اليونانية، “خيم بيننا” كي يجعلنا مواطني السماء، عندما يتحدث سفر أعمال الرسل عن قيامة الرب يسوع على لسان الرسل، يرقمها بكلمات ثلاث “ونحن شهود لذلك”.
ما أحوجنا أن نشهد لقيامة ربنا وما أحلى أن نشهد لقيامتنا بذاك الذي خيم بيننا وبه اكتملت النعمة والحق. كيف نشهد لقيامة الرب وكيف نعيشها؟ نشهد لها بالمحبة، لأن المحبة تختصر كل الفضائل. نشهد لها عندما نتأمل مسيرة درب القيامة ونستقي منها رحيق تعليم لحياتنا. المحبة الإلهية هي التي افتتحت درب قيامتنا عندما أرتنا الرب متنازلا إلى ضعتنا ومفترشا المذود من أجل خلاصنا. والمحبة نفسها هي التي أسكنته، وهو نبع المحبة، في ديارنا وهي الكفيلة، إن اعتمرت قلوب البشر، أن تسكنه في قلوبنا. والمحبة هي التي قدمته لنا سالكا درب صليبه ومكتسحا في ظلام اللحد ظلام النفوس القابعة تحت نير الخطيئة وموردا بنور قيامته النفوس العطشى ينابيع الخلاص بقوة المحبة. قدمت المسيحية للناس كثيرا من القيم وجلا من المفاهيم. وقدمت وتقدم بلاهوتها كثيراً من الأفكار. وحري بنا أن نقرأها في واقع معاش. لم تجد الكتابات المسيحية أفضل من مصطلح “الكلمة” لتخبر به عن يسوع المسيح سيدها.
يسوع هو كلمة، هو منطق محبة. هو مرسل ليقول لنا إن جبلة البشر مدعوة بمنطق الكلمة المحبة أن تغزل نسيج تكاتفها وأنشودة حبها للخالق. رسالة أبناء القيامة هي رسالة الكلمة المحبة التي ينتفي أمامها كل منطق القوة والاستقواء والعنف والتطرف. رسالتهم هي منطق التلاقي المحب لا منطق التمترس خلف أنانيات أخرى. إلا أن كل ذلك لا يعني أبدا أن رسالة أبناء القيامة هي كلمة لا تميز بين المحبة والاستكانة. رسالتهم هي كلمة فصل بين استكانة لصوت محبة وتسامح واستكانة لمنطق استباحة ورضوخ. نحن نألف دوما صوت الاستكانة إلى منطق الحوار والسلام، لكننا نرفض الاستكانة إلى منطق الترهيب والتهجير والتطرف والتكفير. نحن كلمة في وجه منطق الصدام، إلا أن هذا لا يعني أننا كلمة رضوخ واستكانة في وجه من يستبيح إنساننا ومقدساتنا. نحن، ومهما قسى وجه الزمان، مغروسون ومزروعون في ديارنا، ومن ثراها نغرس بذرة الإيمان بالله والوطن في نفوس أولادنا. نحن فيها كسنابل الحقل التي تميلها الريح العاتية، لكنها تنمحق أمام تمايلها بقوة من بالمحبة تكمن قوته.
حقانية الكلمة هي التي يفترضها أصل اللفظة في اللغة العربية. الكلمة من الفعل كلم. أي جرح مجازا. بمعنى أنه أحدث أثرا إيجابيا في ذهن سامعيه. فكل منا مدعو ألا تذهب كلماته في مهب ريح بل أن تكون صوت حق يحدث أثرا يستوطن به قلوب وعقول إخوته في الإنسانية. ولأن سلاحنا، كلمة حقة فلا بد من قولها. خلاص سوريا بمنطق الكلمة ومنطق الحوار الذي يصون سيادتها ووحدة أراضيها. مرساة خلاصها كلمة مصالحة وكلمة حق في وجه منطق العنف والتطرف والتكفير والإرهاب. وقيامتها هي بالدولة المدنية التي تصهر الكل في بوتقة الوطن. من حقنا في سوريا أن ننعم بالأمان. ومن حقنا أيضا ومن واجب المجتمع الدولي أن يجفف عن ديارنا منابع السلاح وأدواته التي هجرت أولادنا. ومنطق الكلمة والحوار هو الكفيل بصون لبنان على أساس المواطنة والعيش المشترك. كل الطبقة السياسية في لبنان مدعوة أن تغلب مصلحة لبنان على الحسابات الضيقة. لقد اختبر لبنان في تاريخه، ما له أن يرسخ في نفوس الجميع في لبنان وفي جواره أن ضريبة الحروب والصدامات أغلى بكثير من ضريبة التقارب والحوار. وهذا الحوار هو الذي يحفظ لبنان قلبا لمشرق مستقر ويحفظ المشرق ضمانة لعالم آمن.
أعطنا يا رب روح سلامك، وبارك أبناءنا في الوطن وبلاد الانتشار، كن مع المهجرين وبلسم جراح إنساننا وهب السلام لنا ولعالمك، واكتنف نفوس الراقدين بغزير رحمتك، عزنا وقونا لنعز نفوس الحزانى، وكحل عيوننا لنرى في قيامتك المجيدة باكورة لقيامة أوطاننا، فنصرخ بأفواهنا وبقلوبنا: المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور.