بقلم: الشاعر محمد رفعت الدومي
لا غيرة على الشاعر الجلل “سعدي يوسف”…
فــ “سعدي يوسف” شاء ملحُ الساحة الشعرية من الأنصاف أم أبوا ، ربيبٌ لخرافة ترتفع بغابة من الأشجار البعيدة عن المطلق المحلِّي الذي أوشك أن ينسحب بفضل الأنصاف مجدداً إلي “مضارب كندة” وما بعد العشية من عرار ، حتي لا نكاد نتعرف فيه إلا علي حساسية الشاعر وحدها !!
كما أنَّ شعره كفيلٌ وحده بالردِّ علي لائميه ، فهو مسلَّحٌ بامتدادات منوطة ، وهو غير عاقد العزم ، بأن تعصف بالمقدمات مباشرة ، وتكشف مباشرة عن عورات خصومه !!
ومن المؤكد أنَّ “سعدي يوسف” ليس لديه أثرٌ للردّ ..
ومن المؤكد أيضاً ، أن انخراط “اتحاد كتاب مصر” في الهجوم العصبيِّ علي أطراف الشاعر الكبير ، تعقيباً علي قصيدة له ، انتهك بها بعض المسكوت عنه حول “عائشة” ، هو تعقيب ضروريٌّ علي ارتباك تسريحة مصر القومية من الجذور ، ومبرر كاف للاعتراف باختلال الطريق ، وانتشار أقواس الخسائر في لهجاتنا ، ودوائرنا غير المكتملة كبشر قبل كلِّ شيء.
تكريماً لمن ، ثار “اتحاد كتاب مصر” ؟!
سوف ينزوي السؤال في شكوك هزيلة بمجرد العلم أن الثورة علي “سعدي يوسف”، سبقتها بحزمة من الساعات ثورة أخرى من الإشادة بتسلل اسم “عبد الله بن عبد العزيز”، ملك السعوديِّة الذي لا يجيد القراءة، في غفلة من “ماعت”، ربة العدالة عند المصريين القدماء، إلى لافتة أحد شوارع “مدينة الأقصر” ، أول مدينة في الكون تخثرت فيها البهيمية، وَولِدَ الضمير !!
وهنا، تجلد ذاكرتي أبياتٌ للمهلهل بن ربيعة، قالها حين أرغم علي تزويج ابنته بمن هو أقل شأناً من الخدمة في بلاطها المنسحب، وهي أبيات تزدحم بالمفردات الحوشية، تقول :
أنكَحَها فقدُها الأراقمَ في جنْبٍ ، وكانَ الحباءُ من أَدَم ِ/
لو بأبانين جاءَ يطلُبُها / ضُرِّجَ ما أنفُ طالبٍ بدم ِ/
ليسوا بإخواننا الكرام ِ ولا / يغنونَ من عيلةٍ ومن عَدَمِ ..
من المؤلم أن تحدث سقطة “اتحاد الكتاب” من جرَّاء أول اختبار لصحة مصر الثقافية التي يبشرون بها القطيع ، ويكون الشاعر الكبير “سعدي يوسف” في المنتصف، ومن الأشدّ إيلاماً أن يتَّحد دور المثقفين بدور قضاة محاكم التفتيش في القرون الوسطي بشكل منذر بردة فاحشة ..
لماذا، كما كان يحدث في عام الإخوان المسلمين، لا تدقُّ أجراس الغيرة على هوية مصر التاريخية، التي ربحتها بفضل فسيفسائها الوطنية المتنوعة، وقوس قزح ثقافاتها؟، سؤال هزيل ..
إنَّ طريقاً يليق بشاعر لابدَّ أن يكون عكس طرق الأنبياء، هذا هو الشرخ الذي فطن إليه الشعراء الممتازون في كلِّ زمان، فكما أنَّ وظيفة الأنبياء هي تفتيت الواقع إلى رموز وإشارات، فإنَّ تفتيت الرموز والإشارات إلى واقع هي وظيفة الشاعر، وهذا لا أكثر، ما فعله “سعدي يوسف” …
لقد أراد الشاعر الكبير أن يحطم عن عمد …
ولقد اتخذت القصيدة هذا الشكل ، لأنه ببساطة أراد أن يعبِّر بهذه الطريقة عما أراد أن يقول، وكما أنَّ المتلقي ليس مرغماً على الإيمان بكلِّ ما يقول ، هو أيضاً ليس “عاقلاً” بما يكفي ليؤمن بكلِّ ما وصل إلى المتلقي عن رمل لا تلتقي أبداً كثبانه، وحواف الخلق الشهيرة !!
بالإضافة إلي هذا، فإنَّ لكلِ ظنون الشاعر نبعٌ قديم فهو ليس برائد، وبعضها وصل إلينا عن طريق “عائشة” نفسها، وهو يتميز عن غيره من هذه الناحية بفراغ نيته من أيِّ دافع نفسيٍّ فشل في السيطرة عليه، إنما قراءته للمشهد في ضوء عقله فقط، وهو لم يقل هجراً، كما قال “المجلسيُّ” مثلاً في بحار الأنوار:
“كانت عائشة تشوِّفُ جارية وتطوفُ بها ، وتقول : لعلَّنا نصطاد بها شباباً من قريش!!”
وهذه روايةٌ كذبها واضحٌ أكثر مما ينبغي، وأعتقد أن نقمة “المجلسيِّ” الخشنة على “عائشة”، قد أربكت كاتبَ وحيه، وجعلته ينسي أن الذكورة ليست حكراً علي شباب قريش البعيدين عن “المدينة”!!
كما أن الشاعر الكبير، وكما يليق بشاعر كبير، تجاوز بقامته تماماً مرمى أحجار الرجم برغبته في تربية الضوء في اسمه أو استقطابه له، وله شعرٌ أقرب للشعر من هذه القصيدة الحدث :
طِلْعَت الشُمّيسهْ
على شَعَرْ عيشهْ
عيشه بنت الباشا
تِلْعَبْ بالخرْخاشةْ !!
…
لَكأنّ عائشةَ الجميلةَ تستجيرُ، تقولُ لي : سعدي !!
أوَلستَ مَن يهوى الجميلاتِ ؟ الحرائرَ … والصبايا ؟
كيفَ تخذلُني ، إذاً ؟
…
أنتَ العليمُ بأنني ، بنتٌ لتاسعةٍ ، وأني كنتُ ألعبُ بالدُّمى
لكنهم جاؤوا وقالوا : ثَمَّ تطْريةٌ لوجهِكِ !!
” كان وجهي وجهَ طفلتكم ، وليس من معنىً لتطريةٍ ” ..
أجابوني : النبيُّ أرادكِ !!
…
طِلْعَت الشمّيسةْ
على شعَر عَيشة
عيشة بنت الياشا
تلعب ْ بالخرخاشةْ
. ..
وعائشةُ ، الحـُـمَيراءُ ،
الجميلةُ مثل إيرلنديّةٍ ، والشَّعْرُ أحمرُ ، يا عطاَ الله !!
كان محمّدٌ ، ما بين رُكعته ، وتالي رُكعةٍ ، ينوي يُباشرُها
وأحياناً يرى ما بين ساقَيها ، صلاةً ..
هكذا ، ذاقتْ عُسَيلَتَهُ
وذاقَ محمدٌ ، دبِقاً ، عُسَيلَتَها ..
هيَ مَنْ هيَ : الـحَوّاءُ
عائشةُ الحـُمَيراءُ ،
الجميلةُ مثل إيرلنديّةٍ ،
صنمُ النبي ّ !!
…
طِلْعَت الشمّيسة
على شَعَر عيشة
عيشة بنت الباشا
تلعبْ بالخرخاشة !!
…
لكنّ عائشةَ الجميلةَ ، سوفُ تُعْلن أن ناعمَ شَعرَِها سيظلُّ أحمرَ
سوف تُعْلِنُ أنها ، أبداً ، محاربةٌ ،
لقد قهرتْ نبيّاً في السريرِ
وهاهي ذي ، على جملٍ ، تقاتلُ ..
إنّ عائشةَ الـحُـميراءَ
النبيّةُ
بعدَ أن ذهبَ الذكورُ الأنبياءُ إلى الهباء !!
..
طِلعت الشمّيسة
على شعَر عَيشةْ
عيشة بنت الباشا
تِلْعَبْ بالخرخاشة !!
كلام الصورة
الشاعر سعدي يوسف