نظم نادي الفجر الثقافي الخرايب بالتعاون مع إمام البلدة الشيخ علي حجازي ندوة ثقافية بعنوان “الإمام الحسين دروس وعبر” في النادي الحسيني للبلدة، في حضور رجال دين وفاعليات ثقافية وتربوية. وكانت كلمة لمتروبوليت صور للروم الملكيين الكاثوليك جورج بقعوني قال فيها:
“لقد استشهد الإمام الحسين في سبيل الدفاع عن إيمانه، في سبيل الدفاع عن القيم التي نشأ وحافظ عليها، وبخاصة قيم الحق والعدالة. أما الإمام المغيب السيد موسى الصدر، والذي نهج نهج الإمام الشهيد، فقد تركزت رسالته على الدفاع عن حقوق المحرومين والمهمشين ورفض كل أنواع المظالم، سياسية كانت أو اجتماعية. دعا إلى مقاومة المحتل وفي الوقت عينه وضع في رأس اهتماماته محبة الفقراء والاهتمام بشؤونهم. وهكذا سرتم جميعاً على خطى الإمام الحسين والسيد موسى الصدر وحققتم الكثير من الإنجازات على صعيد العدالة الاجتماعية ومحبة الفقراء. لكننا اليوم، وفي سبيل متابعة هذه الرسالة، عليكم أولا أن تحاربوا نوعاً جديداً من الفقر وربما الأخطر على الإطلاق.
أخطر وأعمق أنواع الفقر الذي يمكن أن يختبره الإنسان هو العزلة، وإذا أمعنا النظر في ذلك، لرأينا أن أنواع الفقر الأخرى، بما فيها الفقر المادي، تولدها العزلة، من حيث أنّا لا نحب، أن يصعب علينا أن نحب.
الخليقة البشرية ذات الطبيعة الروحانية، تتحقق في العلاقات بين الأفراد والشعوب. فكلما تحيا الخليقة تلك العلاقات بأصالة، كلما تنضج هويتها الشخصية، الإنسان لا تعظم قيمته بالانعزال، بل بالتواصل مع الآخرين ومع الله. حينئذ تصبح أهمية تلك العلاقات أساسية. ونحن في لبنان لا ينقصنا التواصل مع الله، ولكن نعاني فقرًا مدقعا وهو الانعزال على الصعيدين الشخصي والجماعي.
إن التطور الذي نعيشه يترافق وموضوع التداخل التواصلي بين جميع الأشخاص والشعوب، في جماعة الأسرة البشرية الواحدة التي تبنى في التعاون على صعيد القيم الأساسية للعدالة والسلام. تعلمنا دياناتنا وثقافاتنا الأخوّة والسلام، وتعطي أهمية كبرى للإنماء الإنساني الشامل. إلا أنه ليس من النادر ألا تأخذ مواقف دينية وثقافية بعين الاعتبار كاملا مبادىء الأخوّة والمحبة والحقيقة.
مجتمعنا اللبناني والشرق أوسطي تخترقه حالياً بعض الثقافات التي في أساسها هي دينية، ولا تلزم الإنسان بالشراكة، بل تعزله في البحث عن مصلحة فردية، مكتفية بتلبية مبتغياته النفسية. إن بعضاً من تفشي السلوكيات الدينية التي تتبعها جماعات صغيرة أو حتى أفراد تشجع على التفرقة وعدم الالتزام بل حتى تشجع على عزل الآخر وإلغائه.
لقد نشأت في مجتمعاتنا أشكال من “الديانات” تغرب الأشخاص بعضهم عن بعض، بدلا من أن تحبذ لقاءهم، وتبعدهم عن الواقع. أضف إليها أحياناً وجود مواريث ثقافية ودينية تجمد المجتمع في فئات مغلقة اجتماعيا لا تتبدل، وفي عقائد لا تحترم كرامة الانسان.
نحن الآن جميعاً أمام مفترق وجودي وتحد كبيرين، فإما الانغلاق والتقوقع وإما الانفتاح والتعاون والاعتراف بالآخر. ولكنكم أنتم الذين قاومتم احتلال الأرض، عليكم الآن أيضاً العمل على مقاومة احتلال عقول اللبنانيين وغيرهم من العقائد التي تؤدي إلى العزل والانعزال.
قد يرى البعض أن مفتاح الحل هو في إقصاء الديانة عن الحقل العام. ولكن هذا الإقصاء مثله مثل التعصب الديني يمنعان اللقاء بين الأشخاص وتعاونهم في سبيل تقدم المجتمع، فتفتقر الحياة العامة وتصبح السياسة طاغية وتهجمية. فيخشى حينئذ الا تحترم الحقوق الإنسانية، إما لأنها تجرد من أساسها المتسامي وإما لأنه لا يعترف بالحرية الشخصية.
في العلمنة وفي التعصب تضمحل إمكانية الحوار المثمر والتعاون الناجع بين العقل والإيمان الديني. يحتاج العقل على الدوام أن ينقيه الإيمان، وهذا ينطبق أيضاً على العقل السياسي الذي عليه ألا يظن أنه كلي القدرة. بدورها تحتاج الديانات، على الدوام، أن ينقيها العقل، كي يظهر وجهها الإنساني الحقيقي. إن انقسام هذا الحوار يرهق لبنان والمنطقة بثمن باهظ وأدى ويؤدي إلى نتائج كارثية. الحوار المثمر بين الإيمان والعقل لا يمكن إلا أن يعود بالفعالية على عمل الرحمة في الحقل الاجتماعي، ويشكل الإطار الأفضل للتشجيع على الانفتاح والتعاون.
لقد تحلى الإمام الحسين، أيضاً، بصفتي التضحية والوفاء ورأيناهما في صحبه، هؤلاء الأوفياء الذين رفضوا الهروب وفضلوا الموت مع الإمام على تركه يواجه الموت لوحده. هاتان القيمتان رأيناهما أيضاً في الإمام المغيب السيد موسى ونراهما اليوم في الكثير من أتباعه.
هؤلاء الأبرياء دفعوا حياتهم ثمن أمانتهم لدعوتهم. والتاريخ البشري مليء بأخبار الظلم الذي يصيب الأبرار والأبرياء. منذ بدء الخليقة، قتل قايين أخاه هابيل، ولماذا، فقط لأن الله رضي بتقدمة هابيل ورفض ذبيحة قايين. لن أستعرض كل المجازر التي حصلت عبر التاريخ والتي ذهب ضحيتها ما لا يحصى من الأبرياء. تعددت الأسباب والنتيجة واحدة: الظلم فتك بالملايين من الناس الذين لم تكن لهم أي علاقة بما يجري من أحداث ولا من يطالب.
في لبنان، ألم يقتل، ولا يزال، الآلاف من الأبرياء منذ حوالي الأربعة عقود، مهما حاول البعض إخفاء الحقائق، فلا أحد يمكنه إنكار مقدار الظلم الذي أصاب العديد من المقيمين في هذا البلد، والذين لم تكن لديهم أي علاقة بكل ما كان يجري على الساحة اللبنانية. ألم ترتكب اسرائيل عشرات المجازر وجرائم الحرب بحق المدنيين في هذا الوطن أثناء عدواناتها المتكررة وآخرها عدوان تموز الأخير، ولا من حسيب؟
ترى الكنيسة في تعاليمها الرسمية أن “حياة الإنسان مقدسة، لأنها منذ أصلها اقتضت عمل الله في الخلق، الله وحده سيد الحياة منذ بدايتها إلى نهايتها، وليس لأحد في أي ظرف من الظروف أن يدّعي لنفسه الحق في أن يدمر مباشرة كائناً بشريا بريئا. “إن عهد الله والبشرية منسوج من ذكريات عطاء الله الحياة البشرية وعنف الانسان القاتل”. كما يحدد كتابنا المقدس التحريم المرتبط بوصية لا تقتل بقوله: “البريء والبار لا تقتلهما”. فقتل البريء عن عمد يتعارض بوجه خطير وكرامة الكائن البشري، وقاعدة الخالق الذهبية، وقداسته. والشريعة التي تحظره قائمة على وجه شامل:إنها تلزم الجميع وكل واحد في كل زمان ومكان. وان الحفاظ على خير المجتمع العام يقتضي ان تبذل الدولة جهدا لمنع انتشار التصرفات التي تضر بحقوق الانسان وبالقواعد الأساسية للعيش معا في المجتمع. من حق السلطة الشرعية ومن واجبها إنزال العقوبات المناسبة لجسامة الجرم.
لكي لا تتكرر المظالم، علينا أن نبدأ بأنفسنا، وعلى الدولة أن تبدأ بمحاسبة مرتكبي المجازر، وقاتلي الأبرياء عمداً. كيف نطالب الآخرين بمحاسبة اسرائيل على ما ارتكبته من مجازر، ولا نتجرأ على محاسبة من فعل نفس الشيء عندنا بل نسامحه وأحيانا يعين في مراكز متقدمة في الدولة؟ كيف نريد ان يحترمنا المجتمع الدولي ويدين المجازر ويعاقب مرتكبيها ونحن لا نحترم موتانا الأبرياء ولم تتم معاقبة أي جزار منذ سنة 1975 الى اليوم.
مثال الإمام الحسين يحثنا على العمل معاً لرفع المظالم عن المضطهدين والبدء بمحاسبة قتلة الأبرياء. على أتباعه والمؤمنين برسالته أن يكونوا بناة حضارة العدل والسلام ومدافعين عن حقوق المقهورين والمضطهدين خاصة من بين المستضعفين في وطننا. علينا رفض قتل الأبرياء والدفاع عنهم.
مثال الإمام الشهيد والإمام المغيب يدعونا للعمل على رفض التقوقع والانعزال والدفاع عن كل مستضعف وحماية حياة الإنسان، مهما كانت ديانته، مهما كان مذهبه، مهما كان عرقه، لونه او جنسيته. لو كان الإمام الحسين يبحث عن مصلحته ولم يكن حاملا للقيم الإنسانية لما ضحى بنفسه في سبيل الآخرين بل لقام بالتضحية بالآخرين في سبيله. والسيد موسى الصدر لو لم يكن يحمل راية الدفاع عن كل المستضعفين وراية الإنفتاح والعيش المشترك في لبنان لما غيب.
إخوتي الاحباء، فلنكن أوفياء لهما ولجميع الشهداء الذين ضحوا بحياتهم في سبيل لبنان، ليصبح الوطن الذي كانوا يحلمون به وليس لبنان الذي نراه اليوم”.