الشعر المنثور والتحديث الشعري

بقلم: د. رشيد الحاج صالح

يعد كتاب «الشعر المنثور والتحديث الشعري» للباحثة حورية الخمليشي (الدار العربية للعلوم ناشرون، منشورات الاختلاف بيروت- الجزائر) محاولة tahdisلإعادة النظر علمياً وأدبياً في الشعر العربي المنثور، ورصد تطوره منذ عام 1905، وهو العام الذي نشر فيه أمين الريحاني أول قصيدة نثرية، وصولاً إلى تأثره بالحداثة الشعرية العالمية، وظهوره كجنس أدبي جديد ناتج عن حركة الترجمة والتثاقف مع الحداثة الشعرية الغربية.

ضمن هذا السياق يحاول الكتاب أن يتصدى لعدد من الأسئلة الإشكالية الخاصة بالشعر المنثور، من قبيل: كيف يمكن للنص أن يكون شعراً ونثراً في الآن ذاته؟ وما هي الحدود الفاصلة بين الشعر والنثر؟

وهل يتعلق الأمر بكتابة شعر بالنثر أم نثر بالشعر؟ وما هي المميزات النثرية في الشعر العربي؟ ولماذا سلمنا بشعرية النثر رغم تخليه عن كثير من خصائص الشعر؟ وهل نجح النقاد في تصنيف الشعر المنثور كجنس مستقل بذاته؟

وتنأى المؤلفة بكتابها أن ينهج منهج الدراسة المقارنة، بقدر ما تريد له أن ينظر في خصائص هذا الشعر ومقوماته، ولذلك نجدها تهتم بتحليل الوظائف الأساسية لهذا النوع من الشعر، وتحديد نوعية الفاعلية الشعرية فيه، مع التوقف مطولاً عند مصطلح «الشعر المنثور»، وتحديد ماهية العنصر الشعري المهيمن في الشعر المنثور وقيمه الجمالية.

كما يتوقف الكتاب عند الجدل الذي دار بين فلاسفة اللغة المسلمين حول العلاقة بين النثر والشعر، فوجد أنهم فضلوا النثر في الموضوعات التي تتعلق بالسياسة والحروب الإدارة.

وفضلوا الشعر في الموضوعات التي تمس الأحاسيس والعواطف، حتى إن الثعالبي ذهب إلى أن «الشعر تصون عنه الأنبياء وترفع عنه الملوك»، أما أبو هلال العسكري فاتهم الشعر بأنه يغلب عليه الزور، في حين أن النثر هو كلام الصدق.

ولا تطيب مجالس الظرفاء والأدباء بدونه. ويذهب أبي عابد الكرخي إلى أن النثر هو السبب في الإعجاز القرآني، لأن النثر أصل الكلام أما الشعر ففرعه، والأصل أشرف من الفرع، كما أن النثر مرتبط، بعكس الشعر المرتبط بالمشاعر والعواطف والأحاسيس.

وتفسح المؤلفة في كتابها صفحات مطولة للحديث عن إعلام الشعر المنثور في العالم العربي واستجلاء تجربتهم الشعرية.

ولا سيما الريحاني وشوقي وجبران خليل جبران وأحمد زكي أبو شادي، حيث كتب الريحاني كتب الشعر المنثور، وكان يسميه «الشعر الحر الطليق»، لأنه كان يرفض تقييد الشعراء بالوزن والقافية، لأن القافية تعرقل تدفق الشعر وانسيابيته.

وفي تقييمها لتجربة أبي شادي النثرية تذهب المؤلفة إلى أنه رفض التمسك بالشعر التقليدي، لأنه يعتقد أن النثر يعبر عن العاطفة بشكل نافذ إلى ما خلف مظاهر الحياة، لاستكناه أسرارها والتعبير عنها، كما أن الشعر المنثور عند أبو شادي يجب أن لا يخلو من الموسيقى.

ولا بد أن تكون الشاعرية عارمة فيه حتى تعوض عن الموسيقى الشعرية التي يتمتع بها الشعر التقليدي. أما شوقي فوجد أن السجع شعر العربية الثاني، فهو قواف مرنة يستريح إليها الشاعر ويرسل فيها الكاتب المتفنن خياله، ويسلو بها أحياناً عما فاته من القدرة على صياغة الشعر، مما دفع محمد بنيس إلى التأكيد على أن السجع يشكل عودة النثر إلى ما قبل الإسلام.

أما ما يميز نثر جبران فهو الجمع بين الخيال والشعرية والإيقاع، إضافة إلى الجمع بين النثر الشعري والشعر المنثور، ولجوئه إلى الكتابة بأسلوب الكتاب المقدس، حتى إن أسلوبه أصبح يسمى بـالأسلوب الجبراني، الذي يمتاز بالإيقاعية والتصويرية والرومانسية، إضافة إلى أساليب الاستفهام والنداء والتكرار.

وبعد توقف المؤلفة عند بعض النصوص الشعرية وتحليلها لها، تنتقل إلى دراسة تأثير الحداثة الشعرية الغربية على ظهور وتبلور «الشعر المنثور العربي»، لتجد أن المبادئ الأساسية للحداثة هي التوكيد المطلق على أولوية التعبير، والصدور عن نظرة شخصية للإنسان الفريد، والتجديد في الأساليب، ومبادئ أثرت في الشعر العربي الحديث وأدت به إلى الانتقال إلى النثر.

فالنثر يمكن القول بشيء من التحفظ بأنه نتاج تأثر الشعر العربي بالحداثة الشعرية الغربية.

وتنتهي الكاتبة من كتابها إلى نتيجة مفادها أن الشعر المنثور هو قول شعري وليس شعراً، وأن الشعر المنثور بمثابة إعلان عن تحديث القصيدة العربية، إضافة إلى كونه بعث وتجديد واستكشاف وانفتاح وإعادة بناء، وبحث عن المجهول واللانهائي في خريطة الأجناس الشعرية.

اترك رد