تستمر التحركالت الداعمة لمكتبة السائح في طرابلس ولصاحبها الأب سروج، وهب المثقفون لنجدة الكتاب وحمايته من الاعتداءات، لأنه أبرز الشواهد على حضارة لبنان العريقة الذي صدّر الحرف في لبنان، فهل يعقل أن يحترق الحرف فيه؟ في هذا اللسياق زار وزير الثقافة غابي ليون مكتبة السائح في طرابلس، ونظم لقاء تضامني معها في دار الندوة في بيروت.
تفقد وزير الثقافة المهندس كابي ليون، يرافقه المدير العام للثقافة فيصل طالب قبل مكتبة “السائح” في طرابلس، وكان في استقبالهما الأب ابراهيم سروج، واطلعا منه على ما آلت إليه المكتبة بعد إحراقها، وعاينا الأضرار التي أصيبت بها.
وهنأ ليون الأب سروج بالسلامة، معتبرا أن “ما أبداه المجتمع المدني والفاعليات المحلية، من ثقافية واجتماعية وسياسية في طرابلس من تضامن، هو فعل إيمان بدور المدينة الثقافي والذي كانت عليه عبر تاريخها الطويل”، مؤكدا أن “ما نشاهده اليوم من مظاهر عنف واقتتال هو خارج عن تقاليد المدينة وأهلها وعن أعرافهم”.
وفي نهاية الزيارة قدم ليون إلى سروج هبة من وزارة الثقافة، قوامها مجموعات من الكتب تصل إلى نحو ألف كتاب، هدية متواضعة في إطار دعم المكتبة المنكوبة، كجزء من تعويض ما لحق بها من خسارة لا تقدر بثمن.
وأعقب الزيارة صدور عن ليون البيان الآتي: “إن وزارة الثقافة، إذ تعرب عن استنكارها الشديد وأسفها البالغ لإحراق مكتبة “السائح” في طرابلس، تتوجه إلى الرأي العام اللبناني وإلى الفاعليات الثقافية وأهل الفكر والأدب والفن، وإلى الأب سروج صاحب المكتبة، بأسمى عبارات التضامن والوقوف إلى جانب من سلاحه الرأي، ومن توسل الكلمة نهجا للتقدم والنهوض، ومن عمل على أن يكون التنوع إغناء للوحدة وللثقافة والوطنية.
إن إحراق المكتبات عبر التاريخ كان دائما نذير شؤم، وعلامة على حال التقهقر والتردي، واعتداء على العقل والابتكار وتعدد المناهل والمعتقدات.
إن تاريخ طرابلس “مدينة العلم والعلماء” يأبى تشويهه والإساءة إليه بمثل ما حصل مع الأب سروج ومكتبته العامرة، وستبقى طرابلس زاهية بما قدمته للثقافة من إسهامات في مختلف الميادين، وليس آخرها بطبيعة الحال أن تكون مدينة الجداريات في لبنان، تعبيرا عما تحفل به هذه المدينة الأبية من إرث جمالي وتطلع رؤيوي، في الطريق إلى تحقيق قيم الحق والخير والجمال.
إن وزارة الثقافة، وهي تسجل اعتزازها بما قام به المجتمع المدني والجمعيات الثقافية والاجتماعية وأصحاب الرأي وأهل طرابلس خصوصا ولبنان عموما من ردات فعل تضامنية مع الأب سروج في القول والفعل، أكدت حقيقة هذا الشعب الطيب وتجذره في العطاء وعشقه للحرية، لتؤكد مرة أخرى أن لبنان سيبقى موئل الفكر وساحة للحراك الحي، وأن الكلمة هي ديدنه والكتاب منارته وعنوانه”.
لقاء دار الندوة
نظمت “دار الندوة” و”دار نلسن للنشر” ومجموعة من المثقين والإعلاميين، لقاء تضامنياً مع مكتبة السائح في طرابلس وصاحبها الأب ابراهيم سروج، في دار الندوة، تخلله كلمات ركزت على ضرورة الوقوف سداً منيعاً في وجه الاعتداء على الكتب والكتّاب.
مرهج
القى الوزير السابق بشارة مرهج كلمة باسم دار الندوة قال فيها: “عرفت طرابلس الفيحاء مدينة العلم والعلماء، وأعرف كم كان مؤلماً لها ولأهلها مشهد ذلك الحريق الذي أضرمته يد الجهل والتعصب، فأتى على مكتبة قديمة تذكرنا بحوانيت الوراقين في بغداد والكوفة التي لعبت دوراً طليعيا في نشر الثقافة العربية، وبث نورها على أقاصي الارض”.
أضاف: “أما الناسك الذي كان يجمع الأوراق ليجعلها كتباً تزين الرفوف علماً وأدباً، ويجمع الكتب ليجعلها مكتبة غنية تضيء الناصية، فيكفيه أطفال أترابه يسقون الأرض العطشى، وتكفيه أعياد الحصاد تتوالى حروفاً حبرها ماء العيون. اسمحي لنا يا مدينة الزهر والضياء أن نقدم لك كلمة عزاء حقاً إن صبرك لجميل”.
سليمان
ثم تحدث سليمان بختي باسم “دار نلسن” فقال: “تحمل حادثة إحراق مكتبة السائح (للأب ابراهيم السروج) في مدينة طرابلس مؤشرات وأسئلة خطيرة. هل وصل الأمر بنا إلى أننا ضقنا ذرعاً بمكتبة في سوق؟ من يحمي الكتاب، ومن يدافع عنه في بلادنا ومن يرعى تداوله مثلما نتداول الأيام والضوء؟ هل ثمة قوانين تحمي من القمع المادي للأدب، من اضطهاد الكتاب، من عمليات الرقابة، من حرق الكتب؟ إننا عاجزون أصلا أمام الانتهاكات للكتب وهي عدم قراءة الكتب. والآن وصلنا إلى ما هو أفظع بكثير”.
أضاف: “إحراق مكتبة السائح التي تأسست عام 1970 وتضم في جنباتها أكثر من 85 ألف كتاب، وكانت رفيقة المدينة ومحطة أساسية فيها، وجزءاً من ذاكرتها وتاريخها ومستقبلها، إن احراقها لا ينال فقط من تاريخ المدينة وحراكها لأجل العلم والمعرفة والإصلاح والتنوير، بل هو صفعة لتراث إنساني ثقافي حضاري موصول متراكم. ولا يمكن بأي شكل أن نقبل بقطعه”.
موسى
ألقى حسن موسى كلمة باسم اتحاد الكتاب اللبنانيين قال فيها: “تمر أمتنا بمحنة قاسية، حيث يعلو الزيف ويكبر بالعنف والهمجية. وحين تخلو الحياة من الحكمة فلا مناص من سيادة الهذيان، وكان الكتاب أعدى أعدائهم، والمكتبات تذكرهم بنقصائهم وتخلفهم، فارتدوا إليها يحرقونها ويمزقون كنوز أفكارها، ويدنسون حضارتها”.
خليفة
ثم تحدث عصام خليفة باسم الحركة الثقافية – انطلياس، موجها التحية الى دار الندوة التي “تجمعنا بهم روح الوحدة الوطنية”، مشيراً إلى أن “ما حصل في مكتبة السائح جزء مما يجري في كل لبنان من العنف المادي والمعنوي”، مؤكداً “استنكار كل ما يجري في كل لبنان من العنف المتنقل، وخصوصاً ما جرى في مكتبة السائح. كما نؤكد حرية الفكر والثقافة في لبنان وفي كل العالم العربي”، مطالباً “بتشكيل حكومة لبنانية جامعة فوراً وانتخاب رئيس للجمهورية، وأيضاً الاقتصاص من المعتدين على مكتبة السائح وكل المخلين بالأمن في عاصمة العلم والعلماء وفي كل لبنان”، وبتأليف لجنة صياغة لبيان يعكس الموقف للحاضرين في هذا اللقاء الوطني الجامع، وكذلك تأليف لجنة متابعة لاخذ مواقف تؤكد وحدة المجتمع المدني في لبنان”.
هاشم
من جهته، القى مدير المكتبات والمطالعة عماد هاشم كلمة باسم وزارة الثقافة قال فيها إن “وزارة الثقافة اللبنانية اذ تتضامن مع مكتبة السائح والأب سروج، تدعو الجميع من كتاب وأدباء وصحافيين وإعلاميين إلى رفع ما بقي فينا وهو الصوت عالياً، لنواجه هجمة شرسة تجتاح وطننا وأبناءنا وأجيالنا المقبلة”.
مداخلات
توالى على الحديث كل من مدير مكتبة بعقلين غازي صعب، الشاعر اسكندر حبش، مدير مكتبة الأمير شكيب إرسلان الدولية أحمد منصور، عضو اللجنة التنفيذية للمنتدى القومي العربي سمير شركس، المدير العام لدار البيروني للطباعة والنشر السفير محمد ضاهر، مديرة المكتبات العامة رندة الشدياق، أمين حلقة الحوار الثقافي فرحان صالح، استاذ علم المكتبات والمعلومات مستشار المكتبة الوطنية اللبنانية أحمد طالب، طه الحاج عن تكتل ابناء فلسطين 48، أبو جمال وهبه عن مثقفي فلسطين، الإعلامي سركيس أبو زيد، رئيس رابطة الاساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية سابقا الدكتور صادر يونس، صالح فرحان صالح عن دار الكتاب الحديث، محمد صلح عن ندوة العمل الوطني، رئيس المنتدى القومي العربي في الشمال فيصل درنيقة، الذي أعلن أن مكتبة جمال عبد الناصر في طرابلس قد تبرعت بنصف كتبها الى مكتبة السائح.
وتخلل اللقاء اعلان هيئات عدة ودور نشر تبرعها باعداد كبيرة من الكتب الى مكتبة السائح، كما تم الاتصال مع الاب ابراهيم سروج الذي اعتذر عن الحضور بسبب زيارة وزير الثقافة لمكتبة السائح في طرابلس، شاكراً الحضور ومعلنا انه يشعر “اليوم أنه بات لمكتبة السائح فروع في كل لبنان”.