دعا العلامة السيد علي فضل الله، في ذكرى ميلاد السيد المسيح(ع)، إلى استلهام أسلوبه في العمل، وتنقية القلوب، وتهذيب النفوس، مشيراً إلى أن المسيح(ع) واجه بالمحبة كل الأساليب الجارحة، ومشددا على ضرورة “اعتماد أسلوب التهدئة في الخطاب، كخطوة أولى لاستئصال الشر السياسي من البلد”.
وقال:”عندما نلتقي بنبي الله عيسى المسيح(ع) في ذكرى ولادته، فإننا نلتقي بشخصية إيمانية كبيرة، ملأت بجهدها وجهادها وعلمها وتواضعها كلّ الساحات والآفاق، واستطاعت من خلال الإمكانيات الكبرى التي أودعها الله فيها، ومن خلال سلاح المحبة الذي شهرته في كلّ الظّروف ورغم كلّ الآلام، أن تنتصر على الظلم والبغي والطغيان.ونحن كمسلمين، عندما نستذكر السيد المسيح(ع) في يوم ولادته، فإننا نستحضر أيضاً تلك السيدة الطاهرة البتول مريم(ع)، التي طهرّها الله واصطفاها على نساء العالمين، وأرادها أن تكون أماً لعيسى(ع)، وأن تكون نموذجاً وقدوة للناس جميعاً، فالبشارة التي تلقّتها مريم(ع) بالسيد المسيح، تتصل بالدور الكبير الذي أُريد لهذه المرأة الطاهرة أن تؤديه، لتقدم للبشرية النبي المعجزة، والنبي المبارك والنّافع للناس، والذي لم يمثّل المعجزة على مستوى الولادة فقط، أو على مستوى شفاء الناس وإعادتهم إلى الحياة بإذن الله فحسب، بل مثّل المعجزة في بدايات مسيرته أيضاً، منذ كان طفلاً يُدافع عن أمه في مواجهة الآخرين: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً * وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً}
علينا في هذه المناسبة العزيزة على قلوبنا كمسلمين، كما هي عزيزة على قلوب أخوتنا المسيحيين، أن نسير على خطى السيّد المسيح(ع) الذي واجه بالمحبّة كلّ الكلمات الجارحة والردود القاسية، وكان هدفه تطهير القلوب وتنقية النفوس. ويُنقل عنه في إحدى مواعظه لبني إسرائيل، عندما بكوا ومزّقوا الثياب، أنه قال لهم: “ما ذنب الثياب؟! أقبلوا على القلوب فعاتبوها”. ونحن نرى في الخطاب السياسي الذي ينتشر انتشار النار في الهشيم في هذه الأيام، صورةً لما كان يُحذّر منه السيد المسيح(ع)، حيث كان يدعو دائماً إلى اعتماد خطاب المحبة والعتاب الأخوي، في مواجهة الخطاب الحاد والمليء بالضغائن والحساسيات.إننا في لبنان مدعوون، وفي هذه الأيام بالذات، إلى ممارسة سياسة جديدة تستهدي السيد المسيح(ع) والنبي محمداً(ص)، وتستهدي القيم الإسلامية والمسيحية، وترفض اللجوء إلى أساليب التخوين والتهديد والوعيد داخل الوطن الواحد، وبين الأهل والأصحاب.
نحن نعتقد أن أولى الخطوات التي من شأنها استئصال الشر السياسي من البلد، تكمن في دخول الجميع في دورة تدريبية سياسية واجتماعية ونفسية في تهدئة الخطاب وتأصيله، واحترام الآخر، والابتعاد عن صبّ الزيت المذهبي والطائفي على النيران السياسيّة المشتعلة في أكثر من مكان، وعلى التوترات والحساسيات التي تغلي في أكثر من منطقة.لقد كان السيد المسيح(ع) قدوة لنا على مستوى رفض الظلم وطرد اللصوص من ساحة الهيكل، وعلى مستوى مصالحة الناس، والجمع بينهم، وتقريب بعضهم إلى بعض، فلنحاول أن نقترب منه أسلوبا وقيمة وحركة، فنحتفل به كشخصية مبدعة وخلاقة ومعطاءة، مهما مرَّ الزمن وتقدَّمت الأيام”.