بقلم: الباحث خالد غزال
بعيداً من ديماغوجيا ادعاءات النصر الإيراني الإلهي وجبهته ضد “الشيطان الأكبر”، فقد جرى الوصول إلى اتفاق بين الدول الغربية وإيران تنازلت إيران بموجبه عن معظم المسائل التي كانت تعتبرها خطوطاً حمراء لا يمكن المس بها حول برنامجها النووي، فقبلت بوقف تخصيب الـ20 في المئة، وأخضعت منشآتها للتفتيش اليومي، وأوقفت بناء بعض المفاعل، وقبلت بنسبة من التخصيب الذي لا يتجاوز الخمسة في المئة، “فتجرعت السم” الذي سبق للخميني أن تجرعه في القرن الماضي عندما أجبر على توقيع صلح مذلّ مع العراق.
في المقارنة بين حجم “اللاءات” التي كانت تقول بها إيران لعقود سبقت، وحجم “النعمات” التي اضطرت إليها، لا يخرج أي مراقب بانطباع عن نصر تحقق، بمقدار ما يتبدى له حجم الخسائر التي اضطر الإيرانيون لدفعها. مما لا شك فيه أن حجم الأزمة الاقتصادية الخانقة التي باتت تهدد مجمل النظام الإيراني، والناجمة عن العقوبات الغربية المفروضة على إيران، كان العامل الرئيس في ذهاب الحكم الإيراني إلى القبول بتوقيع “اتفاقات مهينة”، وفق ما قال به بعض الإعلام الإيراني نفسه.
في المقابل، وبالعودة الى الموقف الغربي، وخصوصاً منه الأميركي، جاء توقيع الاتفاق في سياق قناعة بوصول إيران إلى التسليم بالشروط الغربية في شأن برنامجها النووي، وفي ظل استبعاد كامل لعملية عسكرية أميركية، لم تكن واردة أصلاً سوى في الإعلام، حيث أن الاتصالات الأميركية – الإيرانية لم تنقطع يوماً، وأن الإدارة الاميركية، بشقيها الجمهوري والديموقراطي، كانت ترى إلى النظام الإيراني في وصفه حاجة أميركية في سياق استراتيجية الولايات المتحدة تجــاه المنطــقة العربية والشرق أوسطية.
وما جرى الحديث عن تنازلات غربية لم يكن سوى تقليص عقوبات على إيران “من كيسها”، وليس عبر تقديمات أميركية أوغربية. هذا لا يمنع القول إن كسباً إيرانياً محدوداً قد حصل، لكن لا علاقة له مطلقاً بـ “النصر المبين”.
أثار الاتفاق نقاشاً لم ينقطع بعد في العالم العربي، سواء على مستوى الأنظمة الرسمية أو المؤسسات السياسية أو النخب. يستحق الأمر مناقشة فعلية لكون إيران لم تعد تشكل خارجاً بالنسبة للمنظومة العربية بمقدار ما تحولت فاعلاً في الأحداث الجارية راهناً والمتصلة بالماضي البعيد والقريب. كانت إيران، منذ عهد الشاه، وبعده حكم الملالي، ترى في العالم العربي مدى حيوياً لنظامها، ومجالاً لنفوذ متعدد الجوانب.
اعتمدت إيران في اندفاعتها أيام الشاه على أيديولوجيا قومية فارسية قورشية تسعى إلى استعادة الامبراطورية الفارسية التي يعود تاريخها إلى زمن بعيد، والتي تعتبر أن أجزاء واسعة من المنطقة العربية هي “حقوق تاريخية” للأمبراطورية، فاحتلت بعض الجزر في الخليج وظلت عيونها ترنو إلى مزيد من التوسع والهيمنة.
اعتـــمد حكم الملالي على المنظومة القومــية نفسها التي كانـت للـــشاه، وأضاف إليها الأيديولوجيا المـــذهـــبية المستـــندة إلى الصراع التاريخي على السلطة في الإسلام، خصوصاً ما بات يعرف بالصراع السني – الـــشيعي. هـــكذا شحن الحـــكم الـــجديد القومية بالدين، وانطلق في خطة لمد نفوذه في معظم العالم العربي، مســـتفيداً من الفراغ الحاصل في المنطقة، ومعتمداً على السياسة الأميركية نفسها في تسهيل هذا النفوذ، خصوصاً في العراق وسورية.
هكذا شهدنا، قبيل الانتفاضات العربية، هجمة غير مسبوقة لمعسكر إيران في المنطقة، امتدت أذرعه من لبنان إلى سورية والعراق واليمن، ناهيك بمحاولة وضع اليد على القضية الفلسطينية نفسها. توهم المشروع الإيراني أن سيطرته على المنطقة باتت على مرمى حجر، إلى أن فوجئ بالانتفاضات العربية، خصوصاً في أحد أعمدة السياسة الإيرانية أي سورية. تفرملت الاندفاعة الإيرانية، وبدت خطتها في دائرة الخطر، وهو ما جعلها تفتح ذراعيها لأي اتفاق مع الغرب، يسمح لها باستئناف توجهها التوسعي في المنطقة العربية.
من حق العالم العربي ان يقلق من المشروع القومي المذهبي لإيران الذي يستعيد ليس فقط حلم أيام قورش، بل يسعى إلى انتقام من التاريخ الإسلامي نفسه الذي كان وراء قيام المذهب الذي تعتنقه.
إضافة الى ذلك، ينجم الخوف العربي من التلاعب الأميركي والغربي بمصائر الشعوب العربية نفسها، وغض النظر عن التوجهات الإيرانية. لا شك في أن القلق الأكبر هو الناجم عن الوضع العربي نفسه، الذي يعيش اليوم مرحلة تبدلات في السياسات الدولية شبيهة بتلك التي عرفتها القرون السابقة والتي تمخضت عن اتفاقات دولية خلقت دولاً وألغت أخرى.
فالعالم العربي يعيش ذرى أزمته وتفككه الناجمة عن افتقاده اإلى القوة والتنظيم والتضامن في مواجهة ما يجري التخطيط ضده. والجامعة العربية التي كانت تشكل إطار التوحيد العربي تعيش في سبات وعزلة وانعدام للفاعلية. والفوضى الكيانية العربية تعم أقطار المنطقة وتنتج “أبدع” ما عندها من الحروب الاهلية والفتن المذهبية وطوفان حركات التطرف والإرهاب. وهو وضع يغري إيران ومن معها في استغلال هذا الواقع لمد اليد على هذه المنطقة وتكريس نفوذها فيها.
لن يكون مستغرباً ان تذهب إيران بعيداً في تحالفها مع الولايات المتحدة والغرب، وتقديم نفسها “شرطياً” مكلفاً بضرب الإرهاب والحركات التكفيرية، وهو أمر يلاقي هوى غربياً لأنه لا يكلف المعسكر الغربي أي ثمن. فيما لا ترى إيران في الأمر مخالفة لادعاءاتها الأيديولوجية في هذا التحالف، وهي التي لم تر سابقاً في العلاقة مع اسرائيل ما يخالف هذه العقيدة عندما كانت في حرب مع العراق، وانفتح بينها وبين اسرائيل سوق التسليح والاقتصاد على غاربه.
كلام الصور
1- الخميني
2- شاه إيران
الدكتور خالد السلام عليكم و رحمة الله …شكرا على هدا المقال الرائع و المفيد …هده افكار جيدة و بحاجة الى تطوير و توسيع و تعميم. الأمة تغط في نومة اشبه بنومة اهل الكهف..