“القلق الوجودي في شعر ميشال الحايك” في دار الندوة

استضافت “دار الندوة” لقاء حول كتاب “القلق الوجودي في شعر ميشال الحايك”، الصادر عن “دار سائر المشرق”، تقديم الشيخ طاهر حمد، ومشاركة nat-cover-1-1الأباتي بولس نعمان والدكتور هشام نشابة، إضافة إلى المؤلّفة الدكتورة ناتالي الخوري غريب.

بعد ترحيب الشيخ طاهر حمد بالحضور و”دار الندوة”، التي وصفها بـ “الدار العريقة التي احتضنت عبر عقود خلت نخبة من مثقفي ومفكري لبنان والعالم. فغدت سجلًا يوثق النشاط الثقافي”،  عرض لكتاب الدكتورة ناتالي الخوري غريب الصادر عن دار سائر المشرق، وقال أنّه “يشكل قيمة جليلة للمكتبة العربية، كونه أول بحث أكاديمي عن شعر الأب الحايك، وكونه يعالج شعره بتحليل موضوعي ولغة راقية. أسلوب واضح، ويفتح الباب أمام دراسة نتاجه الأدبي الفنيّ في مكتبتيه في بيروت وباريس.

أضاف: “لقد أحيت ناتالي الخوري شعر الأب ميشال الحايك بعد عقود ظلّ خلالها بعيدًا من الدراسة، وأيقظته في الوجدان الوطني العام ووضعته لأول مرة على مشرحة النقد العلمي والأدبي، لنكتشفه من خلالها شاعرًا صوفيًّا عميق الرؤيا، صادق الالتزام، بليغ العبارة، حرّ الكلمة، جاءت قصيدته كنشيد يخاطب فيه الله أو يمتدح حال الألم، فإذا شعره يميل إلى المطلق ويتسامى بالإنسان حاملًا إياه إلى الينابيع الأولى… وقد وسمت المؤلّفة كتابها بالقلق الوجودي، قابضةً بذلك على جمر الحقيقة، حتى ليخيل لقارئ شعر الأب الحايك أن ليس ثمة عنوانًا آخر ينضح بالدلالة الصحيحة والواضحة”.

وختم قائلا: “لقد تتبعت الكاتبة هذا القلق الوجودي العائد إلى زمن الخطيئة الأولى، موزعة كتابها على مدخل وأربعة فصول تناولت خلالها سيرة الأب الحايك والمؤثرات الدينية والاجتماعية والأدبية التي أسهمت في تكوين شخصيته. ثم قدّمت رؤيته لمرحلة البحث عن المعرفة والفردوس المفقود ولتنتقل إلى حديث عن صورة الموت والفناء وانفصال الروح عن الجسد وطلب الخلاص بالموت، ثم تخلص إلى إيضاح صورة القلق وهواجس المصير ومرحلة ما بعد الموت والعبور والمعاد”.

nat.-1-1jpg

 الأباتي نعمان

 من جهته، قال الأباتي بولس نعمان  إن “الاقتراب من الأب ميشال الحايك في شعره وأدبه وفكره المسيحي المتصوف، هو اقتراب من الموهبة التي تكاد أن تكون كاملة، والتي تدعوك الى شكر العناية الالهية التي تعطي وتهب بغير حساب. اقتراب، تُحسدُ على جرأتها في اختياره، الأدبية ناتالي الخوري غريب، لأن الاقتراب من هذا الأديب الموسوعي، ذي الثقافة العالية والمتعددة المصادر، ليس سهلاً، فهو شاعر متصوف قبل كل شيء، يعيش شعره بصدق وقداسة، يسير منفرداً منحني الرأس كما موسى في طريقه نحو الجبل الملهم حزينًا ومطرقًا”. أعطي موهبة الكلمة الساحرة والالقاء الآسر، واللغة العربية والفرنسية الصافية، يسحرك ويسمرك مصغيًا وماخوذاً بكل حواسك أمام الشّاشة أو المذياع، لئلا تفوتك كلمة أو حركة أو نبرة صوت، هكذا كنّا نصغي اليه في ليالي الصيام المقدسة وأسبوع الآلام، من كاتدرائية مار جرجس في ساحة الشهداء في بيروت”.

أضاف: “تعرّفت اليه أخًا وصديقًا، لا بل مُعلمًا قدوة. علّمنا، كما كتبت ناتالي، ان الحياة الفضلى هي استقرار بالمسيح مثالِه الأعلى في الحياة، وأن صدق دعوتنا الكهنوتية هي استمراريتنا فيها حتى الآن.  هذه الأفكار والأحاسيس راودتني وأنا أطالع هذه الدراسة الغنية للدكتورة ناتالي عن القلق الوجودي في شعر الأب ميشال الحايك، فتصفحتها بشغفٍ المشتاق الى مثل هذه الدراسات المعمّقة، ووجدت فيها الخطوط الأساسية، والأفكار ذاتها التي رسَمَتْ في ذهني صورة الأب ميشال الحايك، صورة المفكر المسيحي القلق أبداً، والطامح دائمًا إلى السير على خطى المسيح، شهيد الجلجلة، وقد اختصَرَتْها ناتالي بمؤثّرات أربعة: الدينية والاجتماعية والفكرية والأدبية، كما رسمت لوحات رائعة وصادقة عن موقفه من الحياة والغربة والموت والمصير.

وختم: “للكاتبة الأديبة كل الشكر والتقدير لأنها عرفت أن تقرّب إلى الاذهان بوضوح ومنهجية علميّة أديبًا وشاعراً تميّز بالقلق الوجودي وباختيار المواضيع الصعبة التي طالما صدمت عقل الانسان”.

 د. نشّابة

أما الدكتور هشام نشّابة  فقال:  “من دواعي السعادة أن يجد الدارس للفكر المعاصر بين يديه كتابًا ككتاب الدكتورة ناتالي الخوري غريب عن الأب ميشال حايك. فهذا الهم الروحاني نادر في الأدبيات المعاصرة، فشكرًا للمؤلفة ولدار سائر المشرق. ثم أن الكتاب يأتي في الذكرى الثامنة لوفاة الأب ميشال حايك الذي توفي في أول أيلول سنة 2005، فهذا الكتاب هو خير ما نتذكر به الأب حايك”.

أضاف:  “ولكن للمؤلفة الفضل في أنْ تلفتَ نظرنا إلى أن الأب ميشال حايك كاتبٌ ومفكرٌ وفيلسوفٌ ومتصوّفٌ تنبع روحانيته العميقة من لبنان متأثرةً بمحيطها ثقافيًا واجتماعيًا أي بأرضه وأهله، ومؤثّرة أولاً في مجتمعه المباشر في لبنان، ثم في مجتمعه العربي ثم في المحيط الثقافي الإنساني الأوسع.  إن شعر الأب ميشال حايك يلخص أيضًا موقفًا أخلاقيًا. ففي طياته براعم ثورة – هي ثورة المسيح، كما تقول الدكتورة ناتالي – ثورة تطال أخلاق الغرب الذي ابتعد عن منابع المسيحية المشرقية ليُحِل محلّها أخلاقًا مادية لا تمت إلى الروحانية المسيحية بصلة. إنها ثورة لا تطال العالم الإسلامي أيضًا (أنظر ص 49) وتدعوه إلى سبر أغوار التدين الإسلامي”.

وختم: “هكذا قرأتُ هذا الكتاب، فأعادني إلى تذكّر الأب ميشال حايك، ودعاني إلى تجديد روحانيةٍ دينية صافية، ومُحبّةٍ، ومتسامحة، في زمن طغت فيه المصالح المادية وعلا ضجيج طبول الحرب وخَفَتَ صوتُ الحق والعدل والجمال”.

كلمة المؤلفة

وفي الختام كانت كلمة للمؤلفة، شكرت فيها المنتدين و”دار الندوة” التي دعت إلى هذا اللقاء، ودار سائر المشرق التي نشرت الكتاب، ثم تطرقت إلى الأب حايك، فقالت: “ضاقَت به الأرضُ ولم تتّسع له إلا قبّةُ السماء، ليكونَ من ساكنيها أبديَّ بقاء… شيّد كنيستَه في العَرَاء من حجارةٍ ليست من هذا العالم، ومن ثمّ ركع وسجد وصلّى، وطلب المغفرة للذين لا يدرون ما يفعلون، في مشارق الأرض ومغاربها. أمّا قصائده، فكتبها على ضوءٍ من سكون سماء، أقلقها غليان توقه إلى لقاء الله،  الذي ظل له في الظل عطشًا عظيمًا… فجاءت  ثورةً على كل موروث لا يتجدّد في قراءة  بواطنه، ويبقي على سطح ظواهره،  ترجمتها آلةُ بيانه بدع شعر، هي “الى صنّاع الفكر آلف”، وتخبر عن “طباعٍ  الى الزهّاد آنس:، ليُخرجَ قارئيه من كهف ذكريات قابع في نفوسهم إلى ساحات عبورٍ من نور، أملا بميعاد مرتقب، لمن قامرَ وخسر العالمَ من أجل أن يربح نفسه”.

أضافت: “فمن يقرأ قصائدَه هذه، يدركُ أنّها سفرٌ إلى مكنونات الذات. تأشيرةُ الدخول إليها وعي الإنسان  كينونتَه ووجدانَه، تضيئها مناراتٌ مشرقاتٌ.على دروبِ  قضايا مصيريةٍ محكومةٍ بدوام تساؤلات لا تذكرةَ عودةٍ منها وعنها”.

اترك رد