بقلم: د.عبدالله بوحبيب
بعد أن رفض الرئيس الأميركي باراك أوباما، باستمرار، التدخل المباشر في الحرب السورية، يبدو اليوم على أهبة أخذ القرار بضرب سوريا صاروخياً أو جوياً، مبرراً ذلك باستعمال النظام السوري السلاح الكيميائي ضد مواطنين أبرياء.
لم تقدّم واشنطن ولا الدول الأوروبية المتحمّسة لضرب سوريا الأدلة الحاسمة على قيام النظام السوري باستعمال سلاح كيميائي. لم تعط روسيا كذلك أدلة حاسمة على استعمال المعارضة هذا السلاح. وفريق الأمم المتحدة الذي وصل إلى سوريا للتحقيق في استعمال سلاح كيميائي في ضواحي حلب، استطاع أن يحصل على عينات للتأكد من استعمال سلاح كيميائي ونوعية هذه المادة في غوطة دمشق. لم تحسم بعد إذاً الجهة التي استعملت سلاحاً كيميائياً فلماذا العجلة في «اتهام» سوريا و«معاقبتها»؟.
لقد وضع أوباما خطاً أحمر في الحرب السورية ويقضي بتدخل أميركي إذا استعمل السلاح الكيميائي في الحرب. إن عدم تنفيذ تهديد كهذا قد يشجع إيران، حسب اعتقاد الكثيرين في واشنطن، على المضي في التخصيب النووي ومن ثم حيازتها سلاح الدمار الشامل. لذلك لا بد للرئيس أوباما من أن يتجاوب مع الضغوط المحلية الأميركية والدولية، خاصة الفرنسية والبريطانية والسعودية، ويقوم بعمل ما لإضعاف النظام السوري.
هذا، على الرغم من أن واشنطن لم تعاقب صدام حسين لاستعماله السلاح الكيميائي في الحرب مع إيران (1980 ـ 1988) وفي حلبجة في كردستان العراق (1988) والتي قتل من جرائها حوالي 5000 كردي، واكتفت بإدانة الحادثة الأخيرة. وعندما قادت واشنطن حملة دولية ضد صدام حسين (1991) لم يكن ذلك بسبب استعماله السلاح الممنوع، بل لأنه أحدث خللاً بالتوازن في الخليج بعد اجتياحه الكويت.
هناك أيضاً حربان خاضتهما الولايات المتحدة نتيجة لادعاءات خاطئة. في حرب فيتنام ادعت واشنطن بأن فيتنام الشمالية والفيتكونغ (الجبهة المقاومة في الجنوب) هاجمتا سفينة حربية أميركية (1964) في خليج طونكن (Tonkin) الفيتنامي. وبيّنت الوثائق لاحقاً أن الحادثة ضُخِّمت لأخذ موافقة الكونغرس على دخول أميركا الحرب. كذلك في حرب الولايات المتحدة على العراق، ادعت واشنطن بأن في حوزة صدام حسين سلاح الدمار الشامل والذي أيضاً لم تجده بعد اجتياح العراق واحتلاله.
ماذا إذاً وراء الضربة الأميركية المنتظرة لسوريا في غياب الدلائل الدامغة التي يتطلبها القانون الدولي والعُرف الأميركي؟
تهدف السياسة الأميركية في سوريا إلى تغيير المؤسسة السياسية والحفاظ على المؤسستين العسكرية والإدارية، وبذلك تتجنّب التغيير الجذري المكلف مادياً وبشرياً، الذي حصل في العراق ويحصل في ليبيا. كان الاعتقاد لغاية شهر أيار الماضي بأنه يمكن تحقيق هذه الأهداف في «جنيف 2». لكن دخول «حزب الله» وإيران الحرب السورية مباشرة والذي تبعه انتصار النظام في مدينة القصير الاستراتيجية غيّر المعادلة، فتوقف العمل لـ«جنيف 2» وبدأ البحث عن كيفية إعادة التوازن بين النظام والمعارضة على الأرض السورية.
إن انتصارات النظام المتتالية وبدء حملته على غوطة دمشق وكان متأكداً من نجاحها، كانت ستعطيه انتصاراً كبيراً فتصبح مدن دمشق وحماه وحمص واللاذقية وأريافها تحت سيطرة النظام. بكلام آخر، إن نجاح الحملة على غوطة دمشق لا يعطي النظام انتصاراً كبيراً فقط إنما تصبح المساحة الحيوية من سوريا، باستثناء مدينة حلب، تحت سيطرته وقد يمتنع عن الذهاب إلى جنيف أو لن يكون مرناً في حال مشاركته في المؤتمر.
بالإضافة إلى ذلك، إن الحرب السورية ورّطت دولتين حليفتين (تركيا والسعودية) وركيزتين لواشنطن في وُحُولها، بعد أن انسحبت قطر التي قادت الجبهة إلى حين تغيير الأمير الحاكم. لذلك فإن نجاح النظام في الحرب السورية، وبخاصة بقاء بشار الأسد على رأسه، ستكون له تداعيات داخلية في كل من البلدين. فقد بدأ يظهر التعب التركي من رجب طيب أردوغان وخسارته في الحرب السورية مما قد يسرّع في سقوطه. كذلك في السعودية، فغياب إجماع الأمراء الأحفاد الحاكمين اليوم على انخراط مملكتهم القوي والمتزايد في الحرب السورية قد يسرّع في تغيير موازين الحكم لمصلحة الأمراء المتحفظين على دخول هذه الحرب، إذا بقي بشار الأسد ونظامه. لقد انغمست القيادتان التركية والسعودية عميقاً في الحرب السورية ولذلك لن تسمحا، بأي ثمن، بإعطاء بشار الأسد انتصاراً على المعارضة.
لهذه الأسباب وغيرها، ستقرّر واشنطن ضرب النظام السوري لإضعافه ولإرغامه على القبول في «جنيف 2» بتسوية تحقق الأهداف الأميركية في سوريا وتبيّن، ولو ظاهراً، أن تركيا والسعودية قد ربحتا الحرب.
(*)السفير، الخميس 29 آب 2013