“دانييل” الإسباني الذي أُدين باغتصاب 11 طفلا مغربياً وتمتع بعفو ملكي، ما أثار ضجة في المغرب، في الفترة الأخيرة، شكل محور فيلم نفذه يونس بلغازي، شاب من خريجي مدرسة مهن السينما ومنتج أفلام، ويستعد مع رفاق له لتصوير فيلم عن “أمضير” قرية في الجنوب المغربي تضم أكبر منجم للفضة في إفريقيا ويحتج سكانها بسبب الفقر والتهميش.
يندرج هذان الفيلمان ضمن مجموعة من الأفلام الوثائقية والروائية يصورها مخرجون شباب من خريجي “مدرسة مهن السينما” في المغرب، في محاولة منهم لتأسيس “سينما مستقلة” أو “بديلة”، فرضها التغيير الناتج عن الحراك الاجتماعي في المغرب، بفعل موجة الربيع العربي التي رافقت سنوات تخرج هؤلاء الشباب في معهد السينما، فنفذوا أفلاماً تسجيلية قصيرة بثوها على الإنترنت للتعبئة والخروج إلى الشارع لمحاربة الفساد وتغيير الواقع المزري.
أنتج بلغازي مع المخرج ناذر بوحموش (ناشط حقوقي مقيم في أميركا) الفيلم التسجيلي “عندما يصبح الزواج عقوبة”، يتمحور حول قصة فتاة مغربية انتحرت بعدما زوّجها والداها من مغتصبها، وفيلم “أنا ومخزني” في إشارة إلى السلطة التي يعبر عنها بالمخزن في المغرب، ويتحدث عن الحركة الاحتجاجية التي قادتها حركة 20 فبراير الشبابية في المغرب إسوة بما يحدث من احتجاجات في المنطقة العربية. كذلك عرض في ألمانيا فيلم “باسطا” الوثائقي عن الرقابة في المغرب، بالإضافة إلى مجموعة من الأفلام
يهدف بلغازي ورفاقه من هذه الأفلام، خلق شبكتهم الصغيرة ومحاولة تقديم البديل من دون المرور بالمركز السينمائي المغربي، موضحاً في هذا السياق أن ما يجمعه بالمخرجين الشباب رفاقه، ليس بالضرورة حركة 20 فبرايرالتي ينتمي إليها، لأنها ليست حزباً، ولأن ثقافة حقوق الإنسان كونية ولا تحتاج إلى انتماء معين.
تعترض بلغازي ورفاقه عقبات لا تحصى أبرزها صعوبة الحصول على إذن للتصوير في الأماكن العامة، ما يعرضهم للطرد وتكسير الكاميرا والتعنيف “بسبب انتشار ثقافة الرقابة” على حد تعبيره، بالإضافة إلى عدم وجود ممولين، لذا يكتفون بالدعم المعنوي الذي تقدمه لهم جمعيات حقوقية في الداخل والخارج. فضلا عن ذلك تواجه مبادرة هؤلاء الشبان تحديات أخرى، أولها أن الأفلام تعرض على الإنترنت فقط، فيتعذر للفئات كافة الإطلاع عليها، “سنوفر للناس المعلومة البديلة ليقارنوا بينها وبين المعلومة الرسمية وعليهم بذكائهم أن يختاروا.”
يقول بلغازي إن تصوير أفلامهم التي يغلب عليها الطابع الوثائقي “نوع من العصيان المدني نخرق فيها القانون”، مشيراً إلى أن الهدف الأساسي من التسويق في الخارج دحض الشعار الرسمي “الاستثناء المغربي” الذي ظل يرفع منذ حلول الربيع العربي، في إشارة إلى أن المغرب بلد متميز ولا يمكن أن يقع فيه ما يقع عند جيرانه.
يضيف: “تركنا لهم معلومات جديدة عن المغرب للبحث عن الواقع عندنا، وقد فوجئ النشطاء لما رأوا الفيلمين وتساءلوا هل يحدث هذا في المغرب؟.”
يأمل بلغازي الوصول، على سبيل التحدي، إلى إنتاج 19 فيلماً في العام مثل المركز السينمائي المغربي، رغم الإمكانات المحدودة، مع العلم أن المركز السينمائي المغربي لا يعترف بهولاء المخرجين الشباب كمجموعة أفراد، إذ لا يتعامل إلا مع أشخاص معنويين.
المركز السينمائي المغربي
منذ تأسيسها، مرت السينما المغربية، بمراحل وحقبات. ففي مرحلة الاستعمار الفرنسي برزت السينما الاستعمارية (1919- 1956) التي تمجد الغرب بتقنيته وثقافته وحضارته معتبرة أن فرقاً شاسعاً بين رقي الغرب وتخلف الشعوب في الشرق والمغرب العربي، كان يشرف عليها سينمائيون فرنسيون وإسبان على مستويات: الإخراج، الإنتاج، التصوير والمونتاج والتقطيع والتوزيع والتسويق وكتابة السيناريو . ولم يكن المغاربة في العموم سوى ممثلين من صنف الكومبارس.
عام 1944 أنشئ المركز السينمائي المغربي، وبعد الاستقلال صار مؤسسة عامة تتبع وزارة الإعلام والسياحة والفنون الجميلة ومقره مدينة الرباط، وهو ينتج أفلاماً قصيرة ويصدر الجريدة السينمائية. كذلك تأسس بعد الاستقلال قسم السينما التابع لوزارة الإعلام ويهتم بصناعة السينما من نواحي الإنتاج والتوزيع والاستثمار.
بعد الاستقلال، أيضاً، اهتم القطاع الخاص بإنتاج أشرطة السينما في المغرب التي تعرض نسخها بالعربية في مدن المغرب وبالفرنسية في دور السينما التي يقصدها الأجانب وبالإسبانية في الريف المغربي، وهي تمرّ على الرقابة التي تشترط ألا تتعارض مع الدين والعادات والتقاليد والسياسة.
كلام الصور
1- مشهد من السينما المغربية
2- يونس بلغازي
3- ملصق أنا ومخزني