المركب يغرق وأنتم تتفرّجون!

بقلم: المطران كيغام خاتشيريان (*)

يصوّر بعض المسؤولين لبنان بمثابة مركب تتلاطمه الأمواج وسط عاصفة هوجاء، بينما لم يقدّم أحدُهم على أيّة مبادرة تساعده على الوصول إلى برّ الأمان،  Bishop kegham khatcherian dvd cover 1سوى إطلاق تصريحاتٍ ، يعتقد أنَّه من خلالها غسل يديه من دم هذا الوطن البريء.

وقدِ استوجب هذا الواقع المُزري لجوء المواطنين إلى كنف المراجع الدينية للاستغاثة والشكوى، وهو البرهان الساطع على انكفاء الزعامات وفشل المسؤولين في الدولة، وهذا ما لمسناه في الزيارات التي يقوم بها رجال الدين إلى المناطق، وخصوصًا زيارة نيافة الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الأخيرة إلى مدينة زحلة والجوار، حيث شاهدنا الجموع الغفيرة الوافدة من جميع المناطق ، ومن جميع الطوائف، الكلُّ يحمل مطلبًا واحدًا: نريد قيامة الدولة، لا بديل عن الدولة، وعن رئيسنا العماد ميشال سليمان الذي بذل الجهد الكبير من أجل الحفاظ على أمن البلاد وكرامة الإنسان فيه ، ولا غنى عن جيشنا الوطني وقائده رجل القرار،ولا وطن سوى لبناننا المفدّى.

دعوا أيُّها الحكّام غبطة البطريرك وعلماء الدين وخيرة رجالنا القادرين ، على أداء الواجب لتخليص البلاد من براثن المكائد المحيطة به . وانهضوا بواجباتكم السياسيّة والاجتماعيّة. خفّفوا الضغوط عن كاهل المواطن ، واتفقوا على الأقلّ حول بعض القضايا الأساسيّة التي إن لم تجدوا لها حلولا ، سوف تؤدي معاذ الله إلى خراب لبنان.

إنّ أخطر ما يتعرّض له لبنان راهنًا، ، هو موضوع اللاجئين السوريين، إن لم نتداركه ، سوف ينعكس دمارًا على الرغم من خطورة المواضيع الأُخرى المتراكمة منذ زمن بعيد. وقد بشَّرنا مسؤولون أميركيون وأوروبيون ، بأنَّ النزاع في سورية ممتدّ إلى سنوات، ما سيؤدي طبعًا إلى تضاعف أفواج اللاجئين لدينا.

 في هذا المجال تنبغي العودة إلى الماضي، بأخذ العبر من الذي  حصل مع إخواننا الفلسطينيين، عندما هجّرهم الصهاينة، وفتح لهم لبنان أبوابَه،من دون قيدٍ أو شرط، بدون حسيب أو رقيب ، بدافع نصرة المظلوم ، ووحدة المصير  بمواجهة عدوِّنا الغاشم .

khatcherian-wa-raii.-1jpgفهل نسيتم الكلفة الباهظة التي دفعها الشعب اللبناني من أرواح وممتلكات ، ومعاناة التهجير والغربة على مدى سنين؟

هل غاب عن بالكم ، كيف تفكك المجتمع اللبناني بسائر طوائفه ، وتغيرت ديموغرافية أرضه ، لا قدر الله إلى الأبد؟

إن ما جرى مع إخوتنا الفلسطينيين، لا يعدو كونه نقطة واحدة  في بحر ما سيجري مع اللاجئين السوريين، وما يحدث على أرض الواقع ، يدفعنا إلى مساءلة حكّامنا: ألم يلفتكم أنَّ  عدد اللاجئين السوريين بات يفوق عدد المواطنين اللبنانيين المقيمين؟ ألا تعلمون أن جميع الذكور الراشدين ، قد أنهوا خدمتهم العسكريّة الإجباريّة في سوريّة؟

ألا ترون في وسائل الإعلام صور الحوانيت والمؤسسات غير الشرعيّة التي أقاموها، فحرموا اللبنانيين من اكتساب أرزاقهم؟

ألا تسمعون بأنَّ كلفة اليد العاملة السورية ، هي أقلّ بكثير من مثيلتها اللبنانيّة، ما زاد على بطالة عمّالنا؟

ألا تشاهدون تجمعات السوريين بالمئات في الساحات والأمكنة العامة لدى ذهابكم صباحًا إلى أعمالكم؟

ألا تخشون استغلال قدرات الشبّان السوريين العاطلين عن العمل ، في مشاريع تضرّ بمصلحة لبنان وشعبه؟

ما أغرب هذا الواقع الذي نعيشه! المواطن يتمسك بالدولة، والدولة تلوذ بالفرار وتتخلّى عن مسؤولياتها في أدقّ الظروف التي يتوقّف عليها مصير البلاد.

لقد حان لصوت علماء الدين أن يرتفع ، محذِّرًا من نحر ما تبقى من وطن، وحان للشعب أن يتخطّى حواجز الطائفيّة والفئوية ويسأل ممثّليه: ماذا فعلتم بالوزنات التي وضعناها في عهدتكم؟ وماذا تنتظرون لتتفقوا على إنقاذ المركب المشرف على الغرق؟

 فإن لم  نتّحد ونهبّ إلى إنقاذ لبنان ، سيكتب التاريخ أسماءنا بأحرف سوداء مُعَنوَنة بالعار ، لا يُطهّرها من آثامنا  شفاعة قدّيسٍ ، ولا رحمة سماء.

******

(*) مطران لبنان للأرمن الأرثوذكس

كلام الصور

1- المطران كيغام خاتشيريان

2- المطران  خاتشيريان  يصافح البطريرك مار بشارة بطرس الراعي لدى زيارته إلى زحلة

اترك رد