“الهوية العربية والأمن القومي: دراسة وتوثيق”… دعوة إلى صيانة لغة الضاد من خطر الامحاء،

guilaf hawyia“الهوية العربية والأمن القومي: دراسة وتوثيق” عنوان كتاب صدر حديثاً عن “المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات- الدوحة”، للدكتور عبد السلام المسدّي الذي وثق فيه مبادرات ومشاريع أطلقت في مختلف الأقطار العربية، وتهدف كلها إلى النهوض باللغة العربية.

كذلك يتضمن الكتاب تشخيصاً وتحليلاً، وتقييماً وتقويماً لهذه المشاريع والمبادرات، ذلك أن المؤلف واكب هذه المحطات والمنعطفات جميعها حاضرًا محاضرًا في ما كان منها مؤتمرات، وعضوًا بمجامعها العلمية وهيئاتها الاستشارية في ما كان منها مشاريع وبرامج ومؤسسات، مشاركًا في جدلها، وأحيانًا مساهمًا في توضيبها، أو مستقرئًا لنتائجها، ومساهمًا في إنضاج بعضها.

يمثل هذا الكتاب سواء في في طريق كتابته أو في خصوصية توظيف اللغة فيه، لوحة إبداعية مميزة وعالية المستوى، وهو أسلوب بات مألوفًا للكاتب كونه يعد من القلائل الذين حملوا هموم اللغة العربية وترسخت أسماؤهم في الدفاع عنها.

ويشكّل هذا الكتاب خلاصة سنوات متتالية من البحث والنضال دفاعًا عن اللغة العربية. لا بل تشكل فصوله عصارة سنوات من البحث والتوثيق؛ الأمر الذي قاد الكاتب إلى القول بوجود قضية لغوية لدى العرب.

منذ كتابه “العرب والانتحار اللغوي” (2011)، ما برح المؤلف عبد السّلام المسدّي يعالج التحديات الماثلة أمام لغة الضاد، ويرفع الصوت محذرًا من تفاقم مأزق هذه اللغة الفريدة، ولا سيما بعدما عمت العالم ظاهرة الكونية الثقافية، وبعدما بات النص القرآني، وهو حصن اللغة العربية، متهمًا زورًا بحمله بذور العنف والبغضاء.

لاحظ الكاتب أن اللغة القومية تخضع للتفكك التدريجي، هو يخشى من تمازج الفصحى بشظايا اللغات الأجنبية ما يؤدي إلى ظهور عاميات هجينة من اللهجات المحلية وقليل من العربية.

تبدأ فصول الكتاب التي تصف حال اللغة العربية وتشخص أوضاعها بين أهلها وأبنائها وذويها، باستئناف أسئلة تشغل بال الكثيرين والغيورين على مستقبل اللغة، من قبيل تلك التي يطرحها المؤلف نفسه وهي: إلى من نتجه بخطابنا عندما نثير المسألة اللغوية، أإلى النخبة الفكرية حيث ورشات إنتاج الأفكار؟ أم إلى النخبة السياسية حيث مطاهي صناعة القرار؟ أم الى الجمهور الذي على كواهله تنبثق الأفكار وعلى سواعده يتنزل القرار؟

وتبدو هذه الاسئلة قلقة تدعو إلى التمعّن فيها بتعميقها وجعلها منطلقاً للبحث الجدّي المسؤول للحفاظ على اللغة العربية وحمايتها من مخاطر التلاشي أو الاندثار.

يختم المسدي كتابه بدعوة إلى صيانة لغة الضاد من خطر الامحاء، وسيمثل ذلك صيانة للهوية العربية وصيانة للأمن القومي. مؤكدًا أن العرب لن يكسبوا رهان التاريخ من خلال اللغات الأجنبية، أو من خلال اللهجات العامية، بل سيكون متعذرًا عليهم الانخراط في مجتمع المعرفة من خارج دائرة العربية.

يمثل الكتاب شهادة فعلية وجادة وتسجيل صاحبها لها بلغة ممتعة ومتناغمة، تفيد وتضيف إلى المكتبة العربية وكافة الباحثين والمهتمين في العالم الكثير، بما يتضمن من مسائل باتت تطرح نفسها بإلحاح شديد، لمناقشة التحديات التي تعصف بلغة الضاد.

كذلك يقدم هذا الكتاب خطابًا جديدًا وأفكارًا نيرّة تلامس هموم اللغة العربية بعدما باتت الأخيرة قضية مصيرية بلا مبالغة وقضية حيوية بلا مجاز.

اترك رد