الشاعر هنري زغيب
لأَنّ الصورةَ في صمتِها أَبلَغُ أَحياناً من صوت الكلمات، نَشْرُها في كتابٍ يَختصر كثيرَ قَول. هكذا كتاب غازي جعجع: “بشري- الذّاكرة والتاريخ في صُوَر” عن منشورات “بَشَاريا” (أَيلول 2000) في 320 صفحة حجماً موسوعياً كبيراً، حاملاً صُوَراً فريدةً ونادرةً من بشرّي تُنَصِّع ماضيها للحاضر والمستقبل، من عُمْق وادي قنّوبين إِلى أَعلى تلال الأَرز لوحاتٍ لِمعالِـمَ ورُموزٍ بعيدةٍ في الجغرافيا والتاريخ، تَـمَايُزُها الطبيعيُّ لوحاتٌ بهيةٌ تُضْفي على ما كُتِبَ فيها نكهةً من الأُسطورة.
بهذه القناعة جَمَع المؤَلِّف نحو350 صورة بالأَبيض والأَسود لذاكرة بشرّي بين النصف الثاني من القرن التاسع عشر والثلث الثاني من القرن العشرين، ومع كلّ صورةٍ تاريخُ تصويرها، ما زاد في قيمتِها التراثية فجاءَت كلُّ صورةٍ حَدَثاً يَنقُل حَدَثاً ومرآةً تعكس مساراً تاريخياً مَـحا عن الـمَعالِم والأَعلام غُبار الأَمس، وزهَا في حاضرٍ سيُبقيها نابضةً في ذاكرة الآتي.
تسهيلاً للرحلة في صفحات الكتاب، جعَلَه المؤلِّف في أَربعة فصول:
* الفصل الأَوّل لِــجُبّة بشرّي: وهي تَغمُر وادي قنّوبين وقاديشا ومحيطَهُما جمالَ خطوطٍ وجَلالَ قِمَمٍ ودِقّةَ تفاصيل وقدسيةَ معالم، بدءاً من أَوّل صورةٍ في الكتاب: منظرٌ للوادي المقدّس سنة 1896 تتردّد فيه هيبةُ الوادي أَصداءَ بَرَكاتٍ من الزّمن الماضي. ومن جبّة بشرّي إِلى بشرّي المدينة والأَرز ومغارة قاديشا: صوَرٌ ورسومٌ بريشة رحّالةٍ أَجانب أَو بطاقاتٌ بريديةٌ قديمةٌ تَظهَرُ فيها بشرّي غارِقةً في ضباب التاريخ، وأَشجارُ الأَرْز تلتفُّ بمعطف الثلج، ومغارةُ قاديشا تَحرس صواعدَها وهوابطَها تحفةً طبيعيةً فريدة.
الفصل الثاني لقياداتٍ في الذاكرة: صوَرُ أَعلامٍ زاروا بشرّي، أَقدمُها سنة 1920 صورةُ الجنرال غورو عائداً على ظهر الخيل من الأَرز إلى بشرّي، وصورتُه مع البطريرك الحويّك في غابة الأَرز، وأُخرى مع البطريرك على شرفة الديمان، والرئيس إِميل إِدّه أَمام فندق “مون رُﭘــو” Mon Repos (1925)، والرئيس حبيب باشا السعد (1934)، والرئيس بشارة الخوري (1945)، والرئيس رياض الصلح (1945)، والأَمين العام للأُمم المتحدة داغ هامرشولد مع البطريرك عريضة (1952)، والرئيس كميل شمعون (1953)، والملِك سعود بن عبد العزيز (1953)، وشاه إِيران والأُمبراطورة ثُــريّا (1957)، وميخائيل نعيمه (1960).
الفصل الثالث للمجتمع البشرّاوي وقياداته في أَربعة أَقسام: أَوّلُها لبشرّاويين في الندوة الـﭙـرلمانية منذ عهد المتصرفية إِلى مجلس 1996، وثانيها لجبران خليل جبران لجنةً ومتحفاً، وثالثُها للبطريرك أَنطون عريضة، ورابعُها للآباء الكرمليين في بشرّي.
وينتهي الكتاب بالفصل الرابع لأَبناء بشرّي في عالم الانتشار اللبناني منذ مطالع الهجرة إِلى الأَميركتين وتأْسيسِهم جمعياتٍ ونوادي في حيثُما حلّوا، وبُروزِهم طليعةَ جالياتٍ حيثما انخرطوا فيها جَلّوا بمآثرَ وفضائلَ تشرّف بلدتهم اللبنانية العريقة.
ولم يكن من المؤلف أَفضلَ لختام الكتاب من رسالةٍ لجبران إِلى نسيبٍ له جاء فيها: “هنيئاً لكَ أَنكَ ذاهبٌ إِلى بشرّي! قبل أَن تصل إِليها قِفْ في حدَث الجبّة أَمام وادي قاديشا والأَرز وبشرّي، وارفَع قُــبَّـعتَكَ مُـحَــيِّــياً واذكُرني. هناك موطنُ حداثتي ومهبطُ الوحي. هناك ضفافُ الوادي الذي منه تغذَّتْ رُوحي وقطفْتُ زهر البنفسج من حقل مار سركيس وجلستُ على شرفة مار جرجس التي يزلُق عنها الطير، وأَنا أَرى الوادي المقدّس تجري فيه مياهُ نهر قاديشا وأَسمعُ صوتَ منجيرة القصب مالئاً تلك الهضاب”.
******
إذاعة “صوت لبنان” – برنامج “حرفٌ من كتاب”