“ظلال الأجداد”… قصيدة لونية لنبل شعب وتاريخ أمجاد بتوقيع جيرار أفيديسيان

كلود أبو شقرا

مجموعة من لوحات الأكليريك المزدانة بنقوش وزخارف وكولاج أقمشة ومجوهرات، تشكل معرض الرسام التشكيلي اللبناني جيرار أفيديسيان في غاليري همازكايين -لوسي gerard-avedisian-1.-2jpgتوتنجيان في بيروت (10 سبتمبر-30 منه)، في عنوان ” ظلال الأجداد” الذي أراده انعكاساً لنبل الأجداد وأمجادهم، هؤلاء سطروا بالدم أروع ملحمة عن صمود شعب، قاوم بصدوره العارية آلة الموت الكاسحة.

لأنه مهووس بهؤلاء الأجداد الأبطال، حرص أفيديسيان على أن يغلف
شخصياته بظلال الأجداد، ونساءه بملامح أرمنية وشرقية، تختصر حكايات وحكايات عن الشجاعة والإقدام، عن عادات وتقاليد جميلة ما زالت محفوظة في القلب والوجدان.

“ظلال الأجداد”، في لوحات أفيديسيان وفي قلبه وروحه، “ترافقنا من جيل إلى جيل، هم جميعهم إلى جانبنا ويتقدموننا أحياناً، يسهرون علينا، ويقودوننا، يلهموننا ويساعدوننا، إنهم في ضميرنا ويروضون لاوعينا، إنهم ملائكة تحرسنا. نحن ولدنا من بذرة أجدادنا، نحن حصادهم للمستقبل. دمهم يجري في عروقنا، ويجعلون قلبنا يخفق، يروون ذاكرتنا بأصوات فرحهم وحزنهم وهمساتهم الدقيقة”.

يكتب أفيديسيان بالخط واللون حكاية تواصل الأجيال، “فحياتنا وحياتهم تسير بالتوازي، تماماً مثل خطوط السكة الحديد، دائماً جنباً إلى جنب، لا يستطيع أي منا التخلي عن الآخر، لكي يتقدم قطار الحياة، لا محالة، نحو المستقبل. لا شيء يوقفه شيء، ولا حتى الموت الذي هو مؤقت، بما أن أجدادنا يولدون من خلالنا. بين أصولنا وذريتنا، تلتقي فينا أرمينيا الماضي والمستقبل”.Gerard_Avedissian-1-1

تنبض لوحات أفيديسيان بألوان تنم عن فرح استوحاه من خياله وهرب من خلاله من مرارة الواقع، فسبح في طبيعة أرمينيا موطن أجداده، وأضفى على أزياء شخصياته، لمسات من أكسسوارات ونقوش وزخارف، منحتها سحراً خاصاً.

متعدد المواهب

جيرار أفيديسيان، كاتب ومخرج مسرحي ومخرج إعلانات ورسام تشكيلي، أقام معارض فردية في الكويت (2010)، وفي بيروت: سوق النجارين (2011)، غاليري هماسكايين- لوسي توتنجيان (2012- 2014). شارك في معارض جماعية في غاليري سورفاس ليبر في بيروت (2011)، وفي Syri-Art مركز بيروت للمعارض (2014). نال تنويهاً من معرض الخريف الذي ينظمه متحف سرسق ثلاث مرات: 2005، 2011 و2012.

لوحاته موجودة في مجموعات خاصة في لبنان، أوروبا والشرق الأوسط. كذلك في قصر الأمير أمين في بيت الدين وفي البطريركية الأرمنية في أنطلياس.

أولع جيرار أفيديسيان بتاريخ الشعب الأرمني الذي ينتمي إليه، فراح يبحث عن صور فوتوغرافية حول كفاح هذا الشعب الأبي الذي اقتلع زوراً من أرضه، وجمع آلاف الصور التي تعود أقدمها إلى 1880، فتأثر بها وأكسبته مخزوناً بصرياً، ربما كان الحافز له كي يمسك الريشة وينطلق في مغامرة الرسم.

عام 2005، شارك في صالون الخريف الذي ينظمه متحف سرسق في بيروت، بلوحة «الجندي الصغير من سميرنا» التي نالت الاستحسان، وحفزته على إفراد مساحة واسعة للرسم في حياته، فكان معرضه الأول في الكويت وليس في بيروت.

بدأ أفيديسيان مسيرته الفنية في “مسرح بيروت” في السبعينيات، وانطلق من ثم كاتباً ومخرجاً وممثلاً سواء في التلفزيون أو على خشبة المسرح، فوقّع كمخرج مسرحي أعمالا مسرحية عدة من بينها: “أخوت لبنان” مع نبيه أبو الحسن، “سفرة الأحلام” مع مادونا، “صخرة طانيوس” مع رفعت طربيه، “جبران خليل جبران” وغيرها…grerard avedisian- portrait

حاز أفيديسيان دكتوراه في الإخراج المسرحي في معاهد الاتحاد السوفياتي (1969)، وعمل في مجال الإعلانات بين لبنان وأوروبا والولايات المتحدة لغاية 2009.

عبق الماضي

أعماله بمعظمها تعبق بماضيه الأرمني وبتأثره بالشرق الساحر والجامح بالمغريات، أرادها تحية وفاء إلى الأجداد الذين يسكنون الذاكرة الجماعية، بوجوههم الخارجة من الماضي، هادئة وصارمة وأحياناً مؤرقة ومؤلمة على دروب الهجرة الجماعية، وكلل شخصياته بهالة من الألوان الغنية والمذهبة التي تشكل وحدة مع الشرق الساحر لا تتجزأ…

قد تبدو الشخصيات في لوحات أفيديسيان فقيرة أو بسيطة، إلا أنه أضفى عليها خصوصية من خلال الأقمشة والنقوش التي ترسم صورة واقعية عن هذه الشخصيات، مع الإشارة إلى أن معظمها مستمد من تاريخ أرمينيا، تزيدها الزخرفات والمنمنمات التي تعود إلى القرنين الثالث عشر والرابع عشر تألقاً، فتبدو شخصياته غنية ترتدي أفخم الثياب من دون أن يخرج عن المظهر الأرمني التقليدي المتمثل بالشروال والطربوش والتطريز…gerard avedisian

عاشق للحضارات الشرقية، والحضارات الأوروبية، ابتكر جيرار أفيديسيان خطاً تشكيلياً خاصاً به، قائماً على تراكمات ثقافية اكتسبها على مر السنوات ووظفها في خدمة شخصيات تمتد جذورها في عمق تاريخ طويل من الحروب والمجازر، متشبثة بالحياة إلى درجة أزهرت جراحها أدباً ولوحات وإبداعاً أذهل العالم، فلا عجب إذاً أن تكون عناصر لوحاته جواهر وأقمشة فخمة تليق بهذا التاريخ العريق وبالأجداد الذين رفضوا الركوع ودافعوا عن أرضهم حتى الاستشهاد.

كلام الصور

1- 2- من المعرض

3- جيرار أفيديسيان

4- من النعرض

************

بالاشتراك مع aleph-lam

www.georgetraboulsi.wordpress.com

اترك رد