السيدة الأولى والتحولات السحرية

الأديبة نوال السعداوي

أضم صوتى للأصوات القليلة أصحاب الضمائر الحية، الذين يطالبون بتعديل قانون التظاهر، والإفراج عن المعتقلين من شباب وشابات ثورة يناير 2011، هؤلاء الأبرياء nawal saadawyالمخلصون للوطن، بأسمائهم المعروفة وغير المعروفة، الذين يعيشون الظلم والهوان داخل السجون، على حين يمرح الكثيرون والكثيرات من شلل المنتفعين والمنتفعات بخيرات النظم السابقة واللاحقة، المتزلفون والمتزلفات، الذين سخروا أقلامهم وأهدروا كرامتهم لخدمة السيد الرئيس والسيدة الهانم.

مند مرافعة المحامى الخبير بثغرات القانون (فى محاكمة القرن) وانقلابه أو قلبه للأوضاع والحقائق رأسا على عقب ليصبح شباب الثورة خونة متآمرين، ويصبح أقطاب الفساد أبرياء مخلصين، بدأ بعض الكتاب والكاتبات، ممن كسبوا المجد والجاه خلال الأزمنة السابقة، فى التسلل على استحياء وذكاء، لتسريب كلمات متناثرة فى مقالاتهم أو حواراتهم، عن وطنية الرئيس القديم وعظمة “الهانم” وجوائزها العالمية.

الجميع يطالبون بالعدالة والمساواة ودولة القانون استرداد الأموال المنهوبة وتحقيق مبادىء الثورة، لكن المشكلة أن القانون العادل أو الدستور العظيم، يظل حبراً على ورق، ما لم تسانده وتنفذه قوى شعبية اجتماعية سياسية اقتصادية ثقافية تعليمية وإعلامية. فالعدالة (أو الديمقراطية) لا تتحقق بقانون أو قرار جمهورى أو برلمانى، بل هى مسيرة الشعب اليومية (بجميع طبقاته ونسائه ورجاله) نحو الحرية والوعى والتنظيم الجماعى، فى مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والتعليمية.

العدالة (أو الديمقراطية) لا تتحقق إلا بعد أن تصبح الحرية والمساواة “أسلوب حياة” فى البيت والشارع والمدرسة والعمل والترفيه واللعب. فى الولايات المتحدة الأمريكية اليوم، تنفجر المظاهرات الشعبية (فى ميزورى وغيرها من الولايات) ضد قيم العنصرية السائدة والتفرقة بين البيض والسود، رغم أن أوباما رئيس الدولة أسود البشرة، ورغم صدور قانون الحقوق المدنية الذى يلغى التفرقة العنصرية منذ نصف قرن وأكثر. وبالمثل لا تزول القيم الطبقية الأبوية الذكورية فى أى بلد، لمجرد صعود امرأة لرئاسة الحكومة أو الدولة، فى عهد السيدة انجيلا ميركل، بألمانيا اليوم، تعانى النساء والفقراء من التفرقة الجنسية والاقتصادية.

منذ أيام قليلة قرأت لكاتبة صحفية معروفة، نالت شهرتها ومناصبها العالية لقربها من الهانم حرم الرئيس القديم، وقد استطاعت بذكائها الاجتماعى ونعومتها الأنثوية وشطارتها اللغوية، أن تحظى بإعجاب كثير من ذوى النفوذ، قبل الثورة وبعدها، وقيادات الأحزاب الورقية القديمة والجديدة، أصبحت هذه الكاتبة فجأة من قيادات الثورة، المرددين لأهدافها ومبادئها: عيش حرية عدالة كرامة، بعد أن كانت تكيل المديح للسيدة الهانم والسيد الرئيس القديم. منصبها الرفيع وكعبها العالى ومساحتها الكبيرة المملوكة لها فى الاعلام والصحافة، بحكم الأقدمية والوراثة، أدت الى طغيان صوتها على أصوات الثوار والثائرات، ارتفع صوتها يجلجل اليوم، وأمثالها من الكتاب الصحفيين، طغى صوتهم بمنابرهم الصحفية والإعلامية الكبيرة الخاصة والعامة، لهم خبرة طويلة فى الكياسة الاجتماعية وممارسة الكتابة الصحفية شبه الأدبية، واحتراف الضغط على مخارج الألفاظ للتأثير على العقول، يحاولون اليوم تحسين صورة السيد الرئيس القديم والسيدة حرمه (الهانم)، وتبرئتهما مما حدث فى عهدهما من فساد واستبداد.

فالمسئول (فى نظرهم) عن هذا الفساد والاستبداد لم يكن الرئيس أو الهانم، بل شلة المنتفعين المنافقين من حولهما، كأنما لم يكونوا هم أنفسهم أقطاب هذه الشلة المنتفعة المنافقة، يحاولون إخراج أنفسهم من المسئولية بنعومة شديدة، كما تخرج الشعرة من العجين، وإعفاء الرئيس القديم والهانم من المسئولية أيضا، باعتبار أن الشعب المصرى طيب متسامح فاقد الوعى والذاكرة، ولكن هل ينسى الشعب الأسية رغم أنه غارق فى المآسى؟، يعانى الثالوث المزمن ويلهث ليل نهار لسد الرمق، قد يهمل الشعب أو يمهل، لكنه لا ينسى. قانون الحصانة فى بلادنا معكوس يجب تغييره، كيف تزيد الحصانة كلما ارتفع منصب المسئول وزادت قوته وسلطته؟ مع أن العدل والمنطق يقتضى محاسبة المسئول صاحب القرار الأعلى قبل محاسبة المرءوس الذى يتلقى الأوامر دون سلطة.

وتتكرر فى التاريخ عملية إجهاض الثورات الشعبية، تعود الملايين الثائرة الغاضبة الى بيوتها تاركة أمر الحكم لممثلين عنهم، يتم انتخابهم، بالقواعد الانتخابية السابقة، التى تعيد إنتاج الشلل القديمة، بوجوه وأسماء جديدة أو بالوجوه نفسها والأسماء نفسها، التى أدمنت النفاق والالتفاف حول الرئيس والهانم.

*****

الحوار المتمدن-العدد: 4563 – 2014 / 9 / 3 

اترك رد