الأديب إيلي مارون خليل
… وأحلمُ، أنا! بل لا أحيا إلّا في وهج الحلم. وقد جعلني حلمي أختار وحيدتي، الوحيدة!
كيف اخترتُها، ولماذا!؟
لا يفكّر العاشقُ كيف، ولا لماذا! فهو مُتَّخَذٌ، هائمٌ، تابعٌ عواطفَه، بَدءًا، من ثمّ قد يعود ليحاول التّفكيرَ وعَقلنةَ الاختيار. ولكن، هل إنّه، حقًّا، يستطيع “العَقلنة”؟ أوَليس الحُبُّ ابن العاطفة، الرّوحِ، المَيْلِ، الهوى، الوِجدان…!؟
وإن حاول، فهل ينجح!؟
فواحدٌ يقول: “لماذا أحبُّكِ؟ لا أعرفُ!/ سؤالٌ جوابي عليه سؤال!” (روبير غانم/سنوات الحزن) وآخر يقول: “كأنّكِ شَطْرٌ من كياني أضعتُه/ ولمّا تلاقينا اهتديتُ إلى أصلي!” (إلياس أبو شبكة/نداء القلب). ولن أقدّم أمثلة أكثر، هذان جميلان ويكفيان. فأيّهما على حقّ؟
كلاهما على حقّ! لا شكّ في هذا! فالأوّل موضوعيّ، عقلانيّ، مِثاليّ، معًا. فهو لا يعرف لماذا يحبّ الحبيبة. ألأمر حقيقيّ. فعقلانيّتُه عجزت وتعجز عن تبرير القلب والعاطفة والمَيل والهوى. والمِثاليّة لا تتكوّن في الموضوعيّة، أو العقلانيّة. تبقى أسبابُ الحبّ غير معروفة، فيستسلم الشّاعر، وينتهي إلى القول إنّه يُحبُّ وكفى. فإن أراد معرفة السّبب، انتهى إلى سؤال جديد، إلى ما لا نهاية! فللقلبِ أسبابُه الّتي لا يعرفُها العقلُ. يحلم!..
والثّاني عاطفيّ، مِثاليّ، متطرّف. تتغلّب عليه العاطفة، بل تسيطر، بل تُقيم فيه! يعتبر أنّه كائنٌ ناقصٌ، ويرى أنّ النّاقصَ يجب ألّا يبقى كذلك، فالله يخلق الإنسانَ على صورته كمِثاله، ويروحُ يبدأ رحلةَ البحثِ عن اكتماله، بمثاليّة جامحة، وكأنّه واثقٌ بالوصول، مرّةً، وبعدمِه، مرّةً، إلى ما لا نهاية! لكنّه يستمرّ يبحثُ إلى أن يصلَ، فيحدثُ الحُبُّ! يحلم!..
يبقى الأوّل مادّيًّا، مهما ابتعد عن الواقعيّة، لأنّه موضوعيٌّ وعقلانيّ. ولا مُشكِلة. فالمادّيّةُ وجهٌ، جانبٌ، اتّجاهٌ، من وجوه الحبِّ وجوانبِه واتّجاهاتِه. يحلم!.. ويبقى الثّاني خياليًّا، مُغرِقًا في المِثاليّة، لكنّه مادّيّ روحانيّ في الآن نفسِه، على الرّغم من كونه “أفلاطونيًّا”، كون أفلاطون هو مَن أوجد أسطورة النّقصان الّذي لا يكتمل إلّا بالحبّ. يحلم!..
وإذا ما عدنا إلى تاريخ الإنسان، في الحبّ، لَما رأينا إلّا وجهَين، أو جانبَين، أو اتّجاهَين، للحبّ: المادّيّ الدّنيويّ، من ناحية، والرّوحيّ المِثاليّ، من أخرى. والأمثلةُ لا تُحصى، أدبًا وفلسفةً وحياةً…
إحلم، يا رجل! إحلم! فالحلم، حقًّا، دربُك نحو المرأة، نحو الحبّ في أحدِ اتّجاهَيه! أو فيهما معًا!
ألاثنين 21/7/2014