زار البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني كريم، بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس والرئيس الأعلى للكنيسة السريانية في العالم دير القديس جاورجيوس الحميراء البطريركي. وقد استقبله بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الارثوذكس يوحنا العاشر.
صبيحة اليوم التالي احتفل البطريرك اغناطيوس افرام الثاني كريم بالقداس الالهي وفق الطقس السرياني بحضور البطريرك يوحنا العاشر، بمشاركة حاشدة من أبناء الكنيسة الذين تقاطروا من المناطق القريبة للدير، وهجرت معظمهم الظروف القائمة في سوريا. وبعد القداس أقام البطريركان صلاة مشتركة من أجل السلام في سوريا والعراق، حضرها محافظ حمص السيد طلال البرازي. وقد القى البطريرك يوحنا العاشر كلمة جاء فيها:
“أخي صاحب القداسة والغبطة البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني كريم،
إخوتي المطارنة والكهنة،
يا شعب كنيسة أنطاكية السريانية والرومية الواحد العظيم بإيمانه، المتقد بالغيرة،
يا أحبة مار أفرام وجيرته،
أحبتي المجتمعين في كنف القديس جاورجيوس اللابس الظفر،
يطيب لي أن أقول لكم: ألا ما أحلى أن يجتمع الإخوة معاً”. قالها كاتب المزامير يوماً. واليوم تقولها وجوهكم الطيبة وابتسامات أطفالكم. تقولها حجارة هذا الدير المقدس التي إن قدر لها أن تحكي: لحكت نشيد توقها إلى لقيا الأحبة ولرنمت أهلاً بهم جميعاً حجارةً حيةً في جسد كنيسة أنطاكية التي دندنت أولاً نغم اسم المسيح وبذرته على كل شفاه بني البشر. نرحب بكم أجمل ترحيب. والأجدر بنا أن نقول: أهلاً بكم في بيتكم في دير مارجرجس. ولقاؤنا اليوم هو رسالة للعالم أن بذرة الوحدة المسيحية سنسقيها في أنطاكية أولاً تماماً كما دعي تلاميذ يسوع مسيحيين في أنطاكية أولاً.
ما أحلاه لقاءً في كنف مار جرجس الذي تعرفه كنائس الدنيا وتتسمى باسمه. وما أجملها صلاةً في أيام مباركة تسيدتها العذراء مريم بسمو طهرها ونور قداستها. ما أحلاه لقاءً في سوريا مهدنا ومهدكم. في سوريا التي فيها سَمَّوا أجدادنا مسيحيين، وفي هذه الأرض التي أنبعت للدنيا مع مياه فراتها تعليم القديس أفرام، قديس التوبة. في هذه الأرض تفترش المسيحية مهدها وفيها ومنها انطلقت شرارة المحبة المسيحية إلى روما وإلى أصقاع الأرض. هذه الأرض هي التي أعطت إغناطيوس الأنطاكي الذي قيدته أصفاد الدهر الحاضر كما تقيد كثيرين منا وسط هذه الظروف. لكن هذه الأصفاد لم تنل من عزيمة الإيمان.
الأصفاد والقيود نفسها هي التي سوف تنمحق أمام سوريا وأمام صمودها، قيادةً وجيشاً وشعباً. وسوريا بهمة الطيبين من أبنائها ستنهض وتنفض عنها بؤراً وصلتها من الخارج وهي نفسها ستدفن في أرضها كل من يجيز لنفسه أمر العبث بأوابد عيشها. قلناها ونقولها دوماً: خلاصها بالحوار وبالحل السياسي قولاً وفعلاً. وأما للعالم الخارجي فنطلق صرختنا من هنا من هذا الوادي: انظروا بعين الحق إلى ما يجري في سوريا وفي العراق وفي الموصل تحديداً وفي كل بقعة لبست زيفاً وبهتاناً صفة “الربيع”. انظروا بعين الحق لماسأة فلسطين. وانظروا إلى لبنان الذي يدفع ضريبةً غاليةً. عرفنا في هذه الأرض منبتاً لأبجدية الحرف والحرف صورة الحاجة إلى لقيا الآخر، ولم نعرفها مرتعاً للتكفير والإرهاب والخطف المتنقل.نحن في هذا المشرق، سئمنا لغة التضامن والتمني لمن أنيطت بهم لغة القرار والتطبيق. شبعنا شعاراتٍ ومطارنتا يوحنا وبولس وكهنتنا وأناسنا يخطفون وسط تفرج العالم. إن ابتسامة أطفالنا أغلى من زيف شعارات الدنيا وتراب هذه الأرض التي فيها ولدنا ونعيش ونموت هو كنزنا وخيرنا ومالنا وسفينة عبورنا إلى دنيا الحق.
أرفع باسمكم صلاتي إلى أم النور، إلى السيدة العذراء. أرفعه مع شموع “أم الزنار” ومع كل مهجر أبعدته الظروف الحالية عن ناسه وأهله. أرفع صلاتي إلى العذراء وأقول:
أيتها العذراء الكلية القداسة القاطنة في خدر المجد السماوي، أيتها المحامية عنا وعن كل أبناء هذاىالمشرق. يانور حياتنا وبلسم جراحنا، يارفيقة المضنيين وماسحة دموع الحزانى إليك نلتجئ وإياك نسأل أن تضعي إيمانك في قلوبنا وتمسحي ضعفاتنا بنور ابنك وتكتنفي سوريا والعراق ولبنان والعالم أجمع بسلام المسيح الرب. علمينا، أيا أم، كيف نكون على قدر البنوّة وكيف نسمو عن اهتمامات العالم لنجد في شخصك نبراساً ينير دروب حياتنا. فقهينا يا فتاةً اعتنقت البساطة والطيبة كيف نجلو نفوسنا بنور القيامة وكيف ننبض في ذواتنا قوة الرجاء بالله وكيف نجعل منها سفينةً ربانها المسيح وشراعها التمثل بقديسيه. كوني لنا عزاء وستراً ولجة شفاعةٍ.
في هذه الأيام المباركة نقدم لك التسبيح قرباناً والشموع ابتهالاً. أضيئي بشموعنا بصيص التعزية في قلوبنا وامسحي من المآقي دموع الدهر الحاضر وكللي جبين محبيك بسلام طفل المغارة. نسألك يا ابنة جبلتنا الترابية أن تجبلي نفوسنا بقوة الرجاء الوطيد بفجر قيامتنا وقيامة إنساننا وأوطاننا ومشرقنا. يا من فرشت لطفلك السماوي الأقمطة وافترشت معه المغارة، افرشي في نفوسنا بساط التواضع وقوة الرجاء وافترشي أرض المشرق واحفظيها واحفطي وادينا الغالي وتعهدي بفائق عنايتك أبناءنا في الوطن والمهاجر.
كوني يا أم إلى جانب الأم الثكلى وقوّي من هم في ضيق وضمي نفوس الراقدين إلى صدرك وصدر طفلك الصغير. يا من فرحت بمرأى قيامة ابنك وإلهنا، أهلينا أن نفرح بعودة السلام إلى سوريا والعراق وإلى كل بقاع العالم. يارفيقة درب يوحنا وبولس كوني مع أخوينا يوحنا وبولس ومع كل المخطوفين. كوني معهم، نقولها ونحن نعرف أنك معهم حيث هم، وامسحي عن عيون البشرية زيف وزور الأيام الحاضرة. نسألك أن تحملينا جميعاً في صلاتك إلى الرب وأن تقبلي ترنيمنا بخوراً ذكي العرف لدى ابنك.
نسألك وأنت ابنة هذا المشرق أن تطفئي فيه نيران الحروب وتدفئيه بجمر المحبة. يا نبع المحبة لظي النفوس بوهجها وأطفئي بنداها القلوب الملتاعة. وإن كانت هذه الأيام صليب هذا المشرق، فإن عزائك هو من يخفف حمل الصليب وإن ذكرك هو من يندّي العقول بفجر القيامة. نحن على مثال معلمنا، لا نهاب الجلجلة بحضورك أيتها العذراء. فكوني لنا ميناء وملجأً واحفظي هذا الشعب الملتمسَ مراحمَ ابنك له المجد والرفعة أبد الدهور آمين.
“ومن جديد صاحب القداسة أهلاً بكم في بيتكم وليعطنا الرب الإله أن نسير دوماً بهدي تعاليمه. أهلاً بكم أحبتي أبناء الكنيسة السريانية. أهلاً بالإخوة التي تجمعنا بهم عتاقة الإيمان ونفحات القداسة الأولى وعشق الأديار وصلاة الرهبان وحب الأرض وقوة الرجاء بالرب المسيح له المجد والرفعة إلى الأبد، آمين”.
ومن ثم كانت كلمة للبطريرك أفرام شدد فيها على أهمية إحلال السلام في كل المنطقة وشكر فيها البطريرك على هذه اللفتة التاريخية. وتحدث السيد المحافظ عن قيم التسامح الديني الذي عاشته وتعيشه سوريا ونوه بأهمية المصالحة التي تحققت في كثير من المناطق منوهاً بضرورة المحافظة على تاريخ وحضارة سوريا وقيم عيشها الواحد بين كل الأديان.