الكاتب الاقتصادي عدنان كريمة
على الرغم من الخسائر الكبيرة التي تكبّدتها الدول العربيّة من جرّاء الأزمة المالية العالمية في العام 2008، استطاعت المصارف العربيّة تجاوز التداعيات السلبية لهذه الأزمة، فلم يتعرّض أيّ مصرف عربي للإفلاس، وبرزت قوّة القطاع المصرفي في تنمية الاقتصاد العربي. إلا أن المؤشّرات الإيجابية هذه لا تعني أن المصارف العربيّة في منأىً عن التحدّيات والمخاطر التي قد يترتّب عنها بروز أخطارٍ مالية. فهل تستطيع هذه المصارف العربيّة مواجهة التحدّيات لتجنّب سلبيّاتها؟
من أهمّ إيجابيّات الأزمة المالية والمصرفية العالمية في الولايات المتّحدة وأوروبا، أنها كشفت خطورة ضعف الرقابة على مسيرة العمل المصرفي، والذي أسهم في انهيار عدد من المصارف الكبرى. وقد حذّر تقرير لمؤسّسة “كي بي إم جي” من جملة تحدّيات يتزايد أثرها في العمل المصرفي، ووُصِفت بأنها تحدّيات متجدّدة، لما تحمله من مضامين أكثر عمقاً وتوسّعاً اكتسبتها نتيجة التجارب والأزمات التي مرّ بها العالم، ولاسيّما أن الموجات الرقابية باتت تحاصر المصارف بسرعة أكبر من أن يتمكّن كثير منها من إدارتها، الأمر الذي يثير احتمال سقوط مزيد من الضحايا قبل أن تضع الأزمة المالية أوزارها. بالطبع لا يمكن استثناء المصارف العربيّة من خطورة هذه التحدّيات وضرورة مواجهتها لتجنّب سلبيّاتها، فهل تستطيع ذلك؟..
على الرغم من الخسائر الكبيرة التي تكبّدتها الدول العربيّة من جرّاء الأزمة المالية العالمية التي بدأت في العام 2008، فإن المصارف العربيّة استطاعت تجاوز التداعيات السلبية الناتجة عن هذه الأزمة التي أدّت إلى تباطؤ معدّلات النموّ الاقتصادي العالمي وتفاقم أزمة الديون السياديّة الأوروبيّة.
وإذا كانت تلك الأزمة قد أطاحت بمئات المصارف العالمية التي أعلنت إفلاسها، فإنها لم تهزّ المصارف العربيّة التي حقّقت معدّلات نموّ وأداء جيّدة بلغت 8 في المائة (بحسب تقريرٍ لاتّحاد المصارف العربيّة)، وبذلك فاقت نسبة متوسط نموّ الاقتصاد العربي التي سجّلت 4 في المائة فقط.
وتبرز قوّة القطاع المصرفي من خلال الدور المحوري الذي يلعبه في تنمية الاقتصاد العربي، بتمويله قطاع الأعمال والتجارة والاستثمار، فضلاً عن توفير التمويل اللازم للأفراد لتلبية الاحتياجات المختلفة، وهو يضمّ أكثر من 430 مؤسّسة مصرفيّة تدير أموالاً قاربت ثلاثة تريليونات دولار كأصول، وحجم ودائع تزيد على 1.6 تريليون دولار، بينما قاربت حقوق الملكية الـ 300 مليار دولار أميركي.
وتتوقّع مصادر مصرفيّة أن تكون سنة 2014، سنة جيّدة، حيث يصل في نهايتها صافي أرباح المصارف العربيّة إلى 40 مليار دولار، مع توقّع نموّ أرباح بنسبة 10 في المائة للمصارف العربيّة عموماً، ونسبة 15 في المائة للمصارف الخليجية.
لذلك يعتبر اتّحاد المصارف العربيّة أن القطاع المصرفي العربي هو الأكثر جاهزية وحيوية في الاقتصادات العربية، لأنّه يكوّن منظومة قويّة مستقرّة ومتماسكة ولديها القدرة على مواكبة التطوّرات الدولية والتغيّرات والتحوّلات الإقليمية.
انطلاقاً من هذه “القوّة”، دعا الدكتور جوزيف طربيه، رئيس الاتّحاد الدولي للمصرفيّين العرب، إلى صوغ دور جديد للمصارف العربيّة، فيكون لها فاعليّة أكبر في استقطاب الموارد الماليّة وإدارتها وتوظيفها في الاقتصادات العربية، وخصوصاً أن عودة الاستقرار إلى المنطقة، سيخلق فرصاً استثمارية هائلة توفّرها مشروعات إعادة الإعمار، ويمكن أن تلعب فيها رؤوس الأموال العربية دوراً بارزاً من خلال تحقيق التعاون والتكامل المصرفي العربي، مع الإشارة إلى دراسة قام بها اتّحاد المصارف العربيّة بالتعاون مع البنك الدولي، تؤكّد أن حصّة القروض المقدَّمة إلى هذا القطاع بلغت 8 في المائة فقط من مجموع القروض المقدَّمة من القطاع المصرفي العربي.
تحدّيات ومخاطر
لا شكّ في أنه مقابل المؤشّرات الإيجابية التي يتمتّع بها القطاع المصرفي العربي، هناك سلسلة تحدّيات ومخاطر على الساحتين الإقليمية والدولية، ولعلّ أبرزها حالة عدم الاستقرار السياسي، في ضوء تداعيات ثورات الربيع العربي، فضلاً عن النقص في الديموقراطية وضعف القطاع الخاص وتقويض دوره.
وعلى الرغم من أن المصارف العربيّة استطاعت بشكل عام تجاوز تداعيات الأزمة المالية العالمية، ولم يتعرّض أيّ مصرف عربي للإفلاس، إلّا أن بعضها يواجه تحدّيات تتعلّق بجودة أصولها التي تأذّت بفعل تلك الأزمة، لذلك اضطرّت في السنوات الست الأخيرة لتجنيد الكثير من المخصّصات لتغطية القروض المتعثّرة. وإذا كانت المصارف الخليجية قد تجاوزت مسألة جودة الأصول، فإن المصارف في اقتصادات البلدان التي تشهد مرحلة انتقالية، ستواجه مزيداً من القروض المتعثّرة في حال لم تستعد نموّها بوتيرة أسرع، أو لم يستقرّ الوضع السياسي فيها.
وإذا كانت المصارف العربيّة تتمتّع برسملة جديدة، تساعدها على مواجهة التحدّيات والأخطار، فإن دراسة حديثة أجرتها شركة “بوز أند كومباني”، توقّعت أن يزيد عجز رأس المال الذي قد تعاني منه المصارف العاملة في دول التعاون الخليجي والمشرق العربي من قرابة 11 مليار دولار إلى نحو يتراوح من 12 إلى 27 مليار دولار في العام 2017، وذلك استناداً إلى سيناريوهات اقتصادية مختلفة. وأشارت الدراسة إلى أنه بفضل الرقابة الحكيمة التي تمارسها الجهات الرقابية، خرجت المصارف العربية من الأزمة المالية العالمية في شكل أفضل من العديد من المصارف الغربية، ولكن لا ينبغي النظر إلى مراكز رأس المال والسيولة كأمر مُسلّم به، وخصوصاً في ظلّ تطبيق تعليمات بازل 3 بشكل تدريجي، ابتداءً من العام 2013 وانتهاءً بالعام 2018، مع العلم أن المصارف التي لا تستوفي متطلّبات المعايير الدولية، ستكون أمام خيارين، إمّا زيادة رأس المال عبر بيع جزء كبير من أصولها، أو عبر الاقتراض، وإما خيار الاندماج خلال فترة متوسّطة الأجل في كانون الثاني (يناير) 2015.
حماية السيولة
لوحظ في السنوات الأخيرة، إقدام المصارف العربيّة على التوسّع في نشاطها الإقليمي والدولي، الأمر الذي أسهم في زيادة المخاطر الجغرافية والاقتصادية وتنوّعها؛ ولذلك دعا المدير العام لصندوق النقد العربي عبد الرحمن بن عبدالله الحميدي المصارف العربيّة إلى إيجاد الوسائل الكفيلة بتوقّع المشكلات قبل حدوثها، وبالتالي التعامل معها قبل استفحالها، مؤكّداً “أن دور السلطات الرقابية أصبح استباقياً” ويتعيّن عليها أن تولي أهمية لموضوع الأخطار المصرفية من أجل الحفاظ على سلامة القطاع المصرفي، وخصوصاً في ظلّ الأهمية الكبرى التي تحتلّها المصارف في اقتصادات الدول ومنها العربيّة، وأضاف موضحاً أن ” الدور الرقابي الفاعل لم يعد يقتصر على التعامل مع المشكلة التي تواجه المصارف بعد حدوثها، وإنما يتعيّن في ضوء أهمية موضوع الأخطار وجود إدارات قويّة لها وبناء قاعدة رأسمالية صلبة تساعد على امتصاص الصدمات”. وأكّد أن قطاع المصارف أصبح يواجه عدداً من التحدّيات الناجمة عن عولمة الأسواق والتطوّرات التقنيّة واستحداث مجموعة خدمات ومنتجات مالية، الأمر الذي ترتّب عنه بروز أخطارٍ مالية في عمل المصارف.
فضلاً عن ذلك، يبرز دور الوساطة المالية الذي تلعبه المصارف، والذي يتمخّض عنه أحياناً عدم المواءمة بين مصادر الأموال والتوظيفات الناجمة عن تحويل الأموال قصيرة الأجل إلى استثمارات طويلة الأجل، ما يؤدّي إلى تعرّضها إلى أخطار السيولة المتمثّلة في عدم قدرة المصرف على الوفاء بالالتزامات تجاه المودعين في سحب أموالهم حين يرغبون، وقد يترتب عن ذلك أزمات مصرفية، كما حصل أثناء الأزمة المالية العالمية التي عصفت بالنظام المالي العالمي وأدّت إلى انهيار عدد من المصارف الكبرى.
*********
(*) مؤسسة الفكر العربي نشرة افق