الشاعر هنري زغيب
“سيّدي الرئيس: نطالب الـﭙـرلمان العراقيّ بالتدخُّل الفوريّ لإِيقاف هذه المذبحة! بعد 72 حملة إِبادة جماعية على الإِيزيديين تتكرّر مجدداً في القرن الحادي والعشرين، ويبادُ دينٌ كاملٌ عن وجه الأَرض”.
بهذه الاستغاثة الجريحة خاطبَت رئيسَ البرلمان العراقي سيدةٌ من أَعضائه بعدما هجم الداعشيون على قضاء سنجار (غربي نينوى) يقتلون سكان المدينة الآمنين في منطقة جبلية نائية هجرها سكانها الشيعة والمسيحيون.
والأَزيديون نحو 500 أَلف في كل العالم معظمهم في العراق، يتكلّمون الكردية، يؤْمنون بإِلهٍ واحدٍ يُصَلُّون له ثلاث مرات يومياً متوجِّهين إِلى الشمس.
هي ذي أَقلية أُخرى في الشرق تهدِّدها سطوة الإِرهاب الداعشيّ ولا تجد مَن يهرع إِلى إِنقاذها باسم حقوق الإِنسان.
حقوق الإِنسان؟ أَبحث في نصوص الأَمم المتحدة، أَجد لجنة خاصة بــ”حماية الأَقليات ضد الإِجراءات التمييزية التعسُّفية” تأَسست سنة 1977 وأَعلَنت “ضرورة تأْمين الحياة الكريمة للأَقليات ووجودها الحُر وهويتها الخاصة والمساواة مع سائر مكوّنات المجتمع والمشاركة في الحياة العامة”.
أَفتح “إِعلان الأُمم المتحدة للأَقليات” الصادر سنة 1992 وأَقرأُ في مادته الأُولى: “الأَقليات جماعةٌ ذاتُ هوية خاصة وطنية أَو إِتنية أَو ثقافية أَو دينية أَو لغوية، وعلى الدول أَن تحمي وجودها لتزاول بكل حرية تقاليدَها ودينَها ولغتَها بدون تدخُّل خارجي”.
هنا نحن أَمام ما يناقض تماماً “موجبات” و”بنود” ما تسعى إِليه الأُمم المتحدة وتوزِّعه على الدوَل كي تلتزم به وتعمل بموجبه، وهذه جماعة طائحة طائشة داعشة تفتك بالناس في العراق وسوريا وتبلُغ لبنان، مستوردة الهلع في السكان، مستوجبة جميع الأَجهزة للتصدّي، ولا يتناهى من الدوَل (المفترَض تدخُّلُها) سوى الاستنكار والأَسف والدعوة إِلى ضبط النفْس، وفي بادرة قصوى تفتح هذه الدول (فرنسا نموذجاً) باب الهجرة لاستقبال المهجَّرين اللاجئين النازحين من بيوتهم وقراهم ومدنهم ووطنهم.
شكراً لــ”أَسف” الدوَل ! ولكن ما نفعُها جميعِها تلك النصوص التي حدَّدت مشكورةً هوية الأَقليات وأَكّدت على حمايتها وضرورة الحفاظ على كينونتها الخاصة في محيطها؟
هل تكفي نداءات بان كي مون لــ”وقف القتال والتعدّيات”؟
هل تكفي اجتماعات الأُمم المتحدة لـ”بحث التطوُّرات”؟
الأَقليّات في الشرق تواجهُ خطر الإِبادة، والقرار في الغرب ما زال يأْسف ويدعو إِلى ضبط النفْس.
وما جرى في الموصل وسنجار، وتمدَّد حتى عرسال، قد يتمدَّد إِلى جميع الدوَل، وهو تهديدٌ صارخٌ لا لحقوق الإِنسان وحسْب بل لقدرة الإِنسان على لَـجْم وُحوشٍ في غابةٍ مفترسةٍ ليست معنيّةً أَبداً بــ”نصوص” العُقلاء الـمُسالـمين في مكاتب الأُمم المتحدة.
*********