رواية “ألماس ونساء” للينا هويان الحسن… ترصد معاناة شعوب المنطقة

guilaf almas wa nisaaتقدم رواية “ألماس ونساء” للروائية السورية لينا هويان الحسن، الصادرة عن “دار الآداب” في بيروت، منظورا مختلفا لمعاناة شعوب المنطقة للحصول على الحرية بمفهومها العام والخاص.

بين الاستقلال والقرار الذاتي أو الارادة الحرة يندمج المفهومان سويا في كتابة تربط الخاص والعام بشكل متوازن وتلقي الضوء على “عصر النهضة” العربية.

الرواية تتحالف مع المادة التاريخية واللغة الحكائية بحيث تقدم نصاً سردياً يعتبر أحد أمتع وسائل قراءة التاريخ تقنية “التاريخ المصغر ميكروهيستوري” في تتبع النص لقصة ألماظ في الجزء الأول.

ألماظ المسيحية ابنة تاجر السجاد الدمشقي، وحفيدة بابور الهندوسية التي تقدم ألماسة زرقاء، كانت عينا للاله فيشنو كهدية لحفيدتها يوم زواجها من الكونت اللبناني كرم الخوري المقيم في باريس.

لكن حكاية ألماظ تأخذ مساراً مفاجئاً بسبب عشقها للبيكباشي محمود التركي حيث تجد نفسها تعبر الأطلسي في رحلة غريبة صوب البرازيل.

مع قصة برلنت، في الجزء الثاني، ينفتح النص على آفاق رحبة غير مسبوقة فتتعدد الشخصيات المنحدرة من أصول وأعراق وديانات مختلفة (كانت كلها متوحدة تحت نير الخلافة العثمانية)، ويظهر ثراء المدينة العربية، آنذاك، مثل دمشق والقاهرة وبيروت، ويتضح هوس الجميع بباريس التي ربما لم تحصل على تألقها إلا من كل المهاجرين إليها مع نهايات القرن التاسع عشر.

كذلك ينسج النص “حدوته” شيقة تعتمد على تتبع مصائر المهاجرين العرب إلى البرازيل والأرجنتين. تتشكل المصائر من تفاصيل النسيج والأكل والطقوس ووضع المرأة في العالم العربي، لتحتل مسألة الهوية مكاناً رئيساً في قلب النص، دون الإفصاح عن ذلك، فتلقي الضوء على أكراد دمشق من خلال شخصية الأمير بوتان الكردي الذي تؤرقه هويته.
الرواية التي تقع في 239 صفحة من القطع الوسط، ثرية بمعلومات وأخبار تضيء النسيج الاجتماعي الدمشقي المكون من ثلاث ديانات متجاورة هي: الإسلام والمسيحية واليهود.
وتأتي الرواية على قصة روميّة خانم المسلمة التي تهرب مع حبيبها اليهودي يوسف زيلخا وتتزوجه في ساو باولو، وهناك تنخرط في حياة الجالية السورية التي نقلت معها تقاليد الوطن بكل حساسياته الدينية والعرقية، فتتجلى مناكفاتهم في أبسط التفاصيل مثل تلك الأكلة الشعبية الدمشقية التي يطلق عليه الشوام المسلمون اسم “يهودي مسافر”، بينما يهود الشام يطبخونها ويسمونها “مسلم هربان”.

في الوقت نفسه، تجتمع الجالية بكل أطيافها بينما دموع الحنين تنهمر من أعين الجميع في استقبال قماشة بروكار وصلت ساوباولو.

لينا هويان الحسن روائية سورية صدرت لها ست روايات ودراستان توثيقيتان عن المجتمع القبلي في سوريا ومجموعة شعرية.

تنقل هويان الحسن عن الكاتب الأميركي الساخر مارتن توين ( 1835-1910) في كتابه “الابرياء خارج البلاد”( 1869 ): “السنوات بالنسبة إلى دمشق ليست سوى لحظات. دمشق لا تقيس الوقت بالأيام والشهور والسنين وإنما بالإمبراطوريات التي شهدت قيامها وازدهارها ومن ثم انحطاطها وفناءها.

“دمشق شكل من أشكال الخلود… لقد قلبت دمشق النظر في رفات أهالي ألف أمبراطورية، وستشهد، أيضاً، قبور ألف إمبراطورية أخرى قبل أن تفنى”

وتستحضر الحسن الكتابات التاريخية عن الشام التي تشهد، منذ أكثر من ثلاث سنوات صراعات مسلحة، تهدد تاريخها وعمرانها، وأدت حتى الأن إلى سقوط أكثر من 170 ألف قتيل.

الماسة الزرقاء تقطع رحلتها عبر أحلام “نساء” الرواية لتحتل مكانها أخيراً في متحف المجوهرات الملكية في القاهرة ،”وسيمر الزوار يتأملون ذلك اللمعان المؤطر بالزجاج لمعاناً يشبه بريقاً لنجمة لا حد لها… بريقاً يليق أن يبزغ من عين إله. بريقا جاء من باطن الأرض، من العتمة، من مكان لا شمس فيه …لهذا تعلم كيف يكون هو الشمس”.

اترك رد