لم يكتب محمد إقبال (1877-1938) شعره بالعربية ولكنه سعى لاستنهاض همة “الأمة العربية” في مواجهة الاستعمار الذي تعرضت له العالم العربي والإسلامي.
ففي ديوان “والآن.. ماذا نصنع يا أمم الشرق” قصيدة “إلى الأمة العربية” تبدأ بهذا النداء: “شعب العروبة والمجد” ويستنهض فيها العرب مذكراً إياهم بمجد حضارتهم ويسألهم..
“كيف انقضى حلفكم وانفضّ سامركم- وكان بالأمس مثل العقد منتظما. توحدت في قديم الأرض أمتكم-ما بالها انقسمت في أرضكم أمما؟. قد خادعتكم من المستعمرين يد-سم العقارب في أكمامها استترا… يا أيها العربي انظر لعصرك في-دنيا يفوز بها من أحكم النظرا. بالسلم بالعدل تبني ما تؤمله-إن شئت للأرض عمرا فكن عمرا”.
هذه المختارات وغيرها صدرت في ديوان “محمد إقبال.. مختارات شعرية” صادر مع مجلة “الدوحة” القطرية)، يقع في 90 صفحة متوسطة القطع قدم له للناقد الجزائري بومدين بوزيد.
ترجمت أعمال إقبال إلى اللغة العربية، ومن أبرز من ترجمها: المصريون عبد الوهاب عزام (1894-1959)، الصاوي شعلان (1902-1982)، محمد يوسف عدس، والسوريان عبد المعين الملوحي (1917-2006) وزهير ظاظا.
كذلك غنت أم كلثوم قصيدة “حديث الروح”، فتضافرت فيها كلمات إقبال وألحان رياض السنباطي وأداء أم كلثوم في سبيكة شجن صوفية، وإن لم تتضمن الأغنية أبياتا منها “ورؤوسنا يا رب فوق أكفنا-نرجو ثوابك مغنما وجوارا”.
تثبت هذه المختارات أن “حديث الروح” التي اشتهرت بعدما غنتها أم كلثوم، هي مختارات من أبيات قصيدتين لإقبال بعنوان “الشكوى” و”جواب الشكوى”.. وفي قصيدة “الشكوى” يقول: “أشكو وفي فمي التراب وإنما/ أشكو مصاب الدين للديان”.
وفي مقدمة الديوان “من الشرق إلى الغرب بحثاً عن الشرق”، قال بوزيد إن إقبال الذي ولد في ولاية البنجاب ودرس الفلسفة في بلاده ثم أكمل دراسة الفلسفة والاقتصاد في بريطانيا وألمانيا، عاد إلى الهند عام 1908 وعايش أحداثاً شهد فيها العالم انفجارات واضطرابات، “فترقى عنده الشعور بالذات الإنسانية” مستفيداً من ثقافته وأسفاره.
وأضاف أن إقبال نهل من تراث المتصوفة، وخصوصاً في الشرق الإسلامي، وهو تراث يمتد إلى جلال الدين الرومي (1207-1273) ونور الدين عبد الرحمن الجامي (1414-1492)، كذلك اطلع على الفلسفات الغربية والشعر الإنكليزي والألماني.
وسجلت المقدمة ما قاله الكاتب المصري أحمد حسن الزيات (1885-1968) إن إقبال “نبت جسمه في رياض كشمير وانبثقت روحه من ضياء مكة وتألف غناؤه من ألحان شيراز. لسان لدين الله في العجم يفسر القرآن بالحكمة ويصور الإيمان بالشعر ويدعو إلى حضارة شرقية قوامها الله والروح وينفر من حضارة غربية تقدس الإنسان والمادة”.
سجل، أيضاً، قول إقبال في آخر حياته: “أنا مسلم. ومن شأن المسلم أن يستقبل الموت مبتسما”، ويفسر بوزيد هذه الطمأنينه بأن حياة إقبال كانت حافلة بالشوق نحو السماء.
وأقصر قصائد الديوان تضم أربعة أبيات، عنوانها “النسر والنملة”، تجمع بين الرمز والحكمة:
“قالت النملة للنسر الذي مر يوما ما على وادي النمل:- أنت ترعى في بساتين النجوم وأنا في شقوة العيش المذل- قال: لكن أنا لا أبحث عن مؤني مثلك في هذا التراب- لست ألقي نظرة حتى ولا للسماوات التي فوق السحاب”.
(رويترز)