صادف في التاسع من أغسطس ذكرى محمود درويش السادسة (13 مارس 1941 – 9 أغسطس 2008)، أحد أهم الشعراء الفلسطينيين والعرب الذين ارتبط اسمهم بشعر الثورة والوطن، وأبرز من ساهم بتطوير الشعر العربي الحديث وإدخال الرمزية فيه. في شعره يمتزج الحب بالوطن بالحبيبة الأنثى. كتب وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطيني التي أُعلنت في الجزائر. في ما يلي قصيدة له ووصيته.
تموز والأفعى
تموز مرّ على خرائبنا
وأيقظ شهوة الأفعى
القمح يحصد مرة أخرى
ويعطش للندى..المرعى
تموز عاد، ليرجم الذكرى
عطشًا..و أحجارًا من النار
فتساءل المنفيّ:
كيف يطيع زرع يدي
كفا تسمم ماء أباري؟
وتساءل الأطفال في المنفى:
أباؤنا ملأوا ليالينا هنا.. وصفا
عن مجدنا الذهبي
قالوا كثيرًا عن كروم التين والعنب
تموز عاد، وما رأينا
وتنهّد المسجون: كنت لنا
يا محرقي تموز… معطاء
رخيصًا مثل نور الشمس والرمل
واليوم، تجلدنا بسوط الشوق والذل
تموز.. يرحل عن بيادرنا
تموز، يأخذ معطف اللهب
لكنه يبقى بخربتنا
أفعى
ويترك في حناجرنا
ظمأ
وفي دمنا..
خلود الشوق والغضب
وصية محمود درويش ..!
أريد جنازة حسنة التنظيم، يضعون فيها الجثمان السليم، لا المشوّه، في تابوت خشبي ملفوف بعلم واضح الألوان الأربعة، ولو كانت مقتبسة من بيت شعر لا تدل ألفاظه على معانيه، محمول على أكتاف أصدقائي، وأصدقائي – الأعداء. وأريد أكاليل من الورد الأحمر والورد الأصفر، لا أريد اللون الوردي الرخيص، ولا أريد البنفسج لأنه يذيع رائحة الموت. وأريد مذيعاً قليل الثرثرة، قليل البحة، قادراً على ادعاء حزن مُقنع، يتناوب مع أشرطة تحمل صوتي بعض الكلام. أريد جنازة هادئة، واضحة، وكبيرة ليكون الوداع جميلاً وعكس اللقاء. فما أجمل حظ الموتى الجدد، في اليوم الأول من الوداع، حين يتبارى المودعون في مدائحهم.
فرسان ليوم واحد، محبوبون ليوم واحد، أبرياء ليوم واحد.. لا نميمة ولا شتيمة ولا حسد. حسناً، وأنا بلا زوجة وبلا ولد، فذلك يوفر على بعض الأصدقاء جهد التمثيل الطويل لدور حزين لا ينتهي إلا بحنو الأرملة على المعزّي. وذلك يوفر على الولد مذلة الوقوف على أبواب المؤسسات ذات البيروقراطية البدوية. حسنٌ أني وحيد.. وحيد.. وحيد.. لذلك ستكون جنازتي مجانية وبلا حساب مجاملة، ينصرف بعدها المشيعون إلى شؤونهم اليومية. أريد جنازة وتابوتاً أنيق الصنع أطل منه على المشيعين، أسترق النظر إلى طريقتهم في الوقوف، وفي المشي وفي التأفف، وفي تحويل اللعاب إلى دموع، وأستمع الى التعليقات الساخرة: كان يحب النساء، وكان يبذخ في اختيار الثياب.
وكان سجاد بيته يصل الى الركبتين، وكان له قصر على الساحل الفرنسي اللازوردي، وفيلا في إسبانيا، وحساب سري في زيوريخ، وكانت له طائرة سرية خاصة، وخمس سيارات فخمة في مرآب بيته في بيروت. ولا نعرف إذا كان له يخت خاص في اليونان. ولكن في بيته من اصداف البحر ما يكفي لبناء مخيم. كان يكذب على النساء. مات الشاعر ومات شعره معه. ماذا يبقى منه؟ لقد انتهت مرحلته وانتهينا من خرافته. أخذ شعره معه ورحل. كان طويل الأنف واللسان.. وسأستمع الى ما هو أقسى عندما تتحرر المخيلة من كل شيء. سأبتسم في التابوت، سأبذل جهداً لأن أقول: كفى! سأحاول العودة فلا أستطيع.