بقلم: د.عبدالله بوحبيب (•)
فشل رئيس مجلس النواب بإخراج «الأرنب من قبّعته» فوصل لبنان إلى فوضى سياسية تنافس الفوضى الأمنية المتمركزة في الشمال الشرقي والغربي من لبنان، من الهرمل إلى طرابلس. ونسي السياسيون، أو معظمهم، القضية الأساس: الاتفاق على قانون انتخابات يضمن التنافس والميثاقية الوطنية والطائفية، ورُكّزت الجهود على التمديد لمجلس النواب. ابتدأت بدعة التمديد بكل أنواعها، ومن دون مبرّر مقنع، خلال فترة الوصاية السورية. إن التمديد لمجلس النواب خلال الحرب اللبنانية كان مبرراً، ولكن الظروف نفسها لم تمنع انتخاب خمسة رؤساء للجمهورية وتأليف حكومات وتعيين مديرين عامين وسفراء. حتى عندما «تعذر» اجتماع مجلس الوزراء في الثمانينيات، ابتدع اللبنانيون «المرسوم الجوال» واستمرت الدولة بتصريف الأعمال وخدمة المواطنين بالقدر الممكن. أصبحت بدعة التمديد اليوم قاعدة تطال كل موظف كبير أو صغير، وطالت ولايتي رئيسين للجمهورية خلال فترة الوصاية السورية. وتعود هذه البدعة اليوم في شكل التمديد لمجلس النواب، مع العلم أن سوريا أجرت انتخابات نيابية واستفتاءً على
الدستور خلال العام الأول من بدء أزمتها وتنوي إجراء انتخابات رئاسية في العام 2014، حتى في حال استمرت الأزمة الراهنة. والعراق عرف أكثر من استفتاء شعبي وانتخابات نيابية في ظل التفجيرات والاغتيالات والتوتر الأمني والسياسي وخلال الاحتلال الأميركي.
لا عجب أن الطالبين الرئيسيين للتمديد لمجلس النواب اليوم هم أنفسهم الذين استفادوا من فترة الوصاية السورية وحفظوا الكثير من حيل التلاعب على النظام والدستور والدوس على الديموقراطية. إنهم يبررونه بالحالة الأمنية المنسحبة من الحرب السورية. وإن كان ذلك يفيد الثنائية الشيعية بسبب انغماس «حزب الله» في وحول الحرب السورية، فإن الأحادية الدرزية تريده لكي تستمر بلعب دور «بيضة القبان» الذي يسمح لها بالانتقال من محور إلى آخر والحفاظ على التوازن لاستمرار هذا الدور. أما الأحادية السنية فتريد التأجيل لتفعيل وتنظيم «ماكينتها» الانتخابية التي استطاعت نقل عشرات آلاف الناخبين من الاغتراب في انتخابات العام 2009.
وبالنسبة إلى التعددية المسيحية، فبينما يجاري «تيار المردة» وحزب الطاشناق الثنائية الشيعية، تريد «القوات اللبنانية» التمديد ضمناً لتعطي مؤيديها الوقت الكافي لهضم تأييدها لمشروع اللقاء الأرثوذكسي ثم معارضته. أما الكتائب فيبقى موقفها يتراوح بين تجاهل حلفائها لدورها الوسطي وإصرارها على الاستمرار في صف 14 آذار. ويصر الجنرال ميشال عون على انتخابات في موعدها حفاظاً على القوانين الجارية، آملاً أن يعيد تأييده العنيد مشروع اللقاء الأرثوذكسي «تسونامي 2005». لغاية اليوم، تلتقي تمنيات السفارات الأجنبية وخاصة الأميركية مع موقف الجنرال.
إن حجة مؤيدي التمديد أن قانون الستين لا ينصف المسيحيين ومن ثم الحاجة إلى الاتفاق على قانون جديد للانتخابات قبل إجرائها، غير قابلة راهناً للصرف خاصة أن سنوات قد أعطيت لهذا المجلس وفشل النواب في التوصل إلى اتفاق، وليس هناك من بصيص نور في آخر النفق. وينسى هؤلاء، أو يتجاهلون أن هناك حاجة إلى قانون جديد ليس لإنصاف المسيحيين فقط، إنما أيضاً لتحقيق المنافسة التي تقتصر في قانون الستين على حوالي أربع دوائر أكثرية ناخبيها مسيحيون، وتغيب ممارستها في دوائر أكثرية ناخبيها مسلمون. وكذلك أن لبنان بحاجة إلى تغيير قانون الستين لتأمين الميثاقية الوطنية بالحد من الأحادية عند الطوائف الإسلامية، فيصبح بإمكان إحدى التكتلين الآذاريين في حال فوزه بالانتخابات النيابية تشكيل حكومة من دون التكتل الآخر.
ويضيف مؤيدو التمديد أن نتائج الانتخابات ـ حتى مع انتقال الأكثرية النيابية من تكتل آذاري إلى آخر ـ لن تغيّر الواقع السياسي. هذا صحيح لأن الأحادية عند الطوائف الإسلامية، تضمن ـ في حال أجريت الانتخابات اليوم أو بعد عامين بحسب قانون الستين ـ استمرار غياب المنافسة والميثاقية الطائفية وتأليف حكومة تعددية ومتجانسة.
لقد شهد لبنان مع هذا المجلس النيابي أربع سنوات من عدم الاستقرار والتوتر الأمني والسياسي لم تكن الأزمة السورية سببه الوحيد. إن التمديد للمجلس هو حتماً تمديد لعدم الاستقرار والتوتر بكل أنواعه وربما تمديد للفوضى والفساد والاستمرار في إضعاف هيبة الدولة.
هذه الأسباب، ومن ضمنها المبررات التي يعطيها طالبو التمديد لمجلس النواب والتي تتمحور إسلامياً حول الأزمة السورية وتداعياتها السياسية والأمنية، ومسيحياً بعدم إنصاف قانون الستين المسيحيين، تدعونا إلى الإصرار على إجراء الانتخابات في موعدها إيماناً بالديموقراطية اللبنانية وكي نتخلص على الأقل من إرث الوصاية السورية والتأثير العربي والأجنبي على الدستور والقانون اللبنانيين. إضافة، إن إجراء انتخابات في المستقبل القريب ينعش الاقتصاد الوطني الذي يواجه ركوداً وغياباً لمواسم السياحة
(•) السفير، الخميس 30 أيار 2013