الشاعر الأردني جميل أبو صبيح
إلى أكفان غزّة
صَلّى الإلهُ عليكَ ما في الوقتِ مِن نَسَمِ … حتى تجيئُـــــكَ جَنّــةُ الفردَوْسِ بالسَّــــــنَمِ
أدْعُ الإلـــهَ أكــــونَ رفْقَتَكَ التي سَعُدَت … فيهــــا سُــراةُ الفائزين بِســابِقِ السَّـــلَم
يا سَــيِّدي يا سَـيِّدَ الدنيا وما سَــلَكَتْ … فيهــــــا أباطِـــــرَةٌ وأنْســـــاغٌ مِنَ الأُمـــَمِ
نادَيْتُ بِاسْـمِكَ هَلْ أَذُبُّ بِراحَتي سَــأَماً … في لَيْلَـةِ نـــامَ الضجيج بهــــا من السَّـــــأمِ
لا شَيْءَ يَسْتُرُنا وَقَدْ صَرَخَتْ بِنــــا خَجَلاً … عَوْراتُنـــــا في زَحْمَـــةِ الأَسْــتارِ وَالــــــهُدُمِ
وتَناوَبَتْنـا في الأَذَلِّ أذَلُّ مَنْ سَــــكَنَتْ … ذُلَّ الخَـلائَقَ روحُــها في بُهْمَــــةِ الظُّلَــمِ
مــا بَيْنَ داجٍ تائِــــــهٍ وَمُؤَوِّبٍ شَـــرَدَتْ … مِنْ نــــارِهِ دُنْيـــا تَنُــــوءُ بِسَــيْلِهــا الْـــــعَرِمِ
لا نَحْــــتَمي إلاّ بِيَـــوْمٍ غـــــابِرٍ عَـبَرَتْ … فِينـــــــا ثَوانيـــــهِ عــلى زَحّــافَةِ النَّـــــدَمِ
في لَيْلَـــةٍ عَصَفَتْ بِنـــا أعصابُهــا وثَوَتْ … لَحْــــداً كـــــأنّا ما شَـــرِبنا سِــــرَّهـا بــــِدَمِ
نحنُ الأُبـــاةُ ومَنْ سِــوانا جـامِعٌ أَحَــــداً … في مَجْلِـــــسٍ أَبْوابُـــــــه بَوّابَـــــةُ الْحَــــرَمِ
عِشـنا وَكُنـّـا الدِّينَ والدُّنْيـا ومـا رَمَشَتْ … فِينــــــا طَـــوارِفُ مُقْلَــةِ النَّــهّـابةِ النَّـــــهِمِ
يا سَــيِّدي يا سَـــِّيدَ الدُّنْيـا وقَدْ صَرَخَتْ … فِينـــــا دِمــانا صَرْخَــةَ المَذْبوحِ مِنْ ألَــــــمِ
النّـــاسُ ثَكْـــلى واليَتـــامى فُجَّـعٌ وَدَمٌ … غَطَّى الشـوارِعَ يَسْـتَجيرُ بِمَيِّتِ الهِمَـــــــمِ
يا سَــيِّدي هُــنّـا على أكْـفــانِ قَتْلانـــا … حَتّى غدَتْ أقْداسُـنا أُضْحوكَــــةَ الْعَجـــــــَمِ
نادَيْتُ بِاسْمِكَ يا رَسُولَ اللهِ مِنْ وَجَعِي … النّــــارُ تَأْكُلُني وَقَــدْ كَـَسرَ الشَّقِيقُ فَمِــي
وعلى نُيوبِ بَنِي الأفـــاعِي رايَةٌ نُصِبَتْ … خِيطانُهــا لَحْمِي وفي أحْشـــائِهــا عَلَمي
وَبَنُو أبي مِنْ عَجْزِهِمْ راياتُـــهم هَرِمَتْ … في مَجْلِسِ الأمْنِ الظّلُـومِ وَهَيْئَـةِ الأُمَـــــمِ
وَشُعورُنا لَبِسِ النُّعـــاسَ وَنــامَ مُلْـتَحِفاً … حُضْنَ الهَزيمَـةِ نَوْمَـــةَ المَلْحــودِ مِنْ قِـــدَمِ
وَجُيوشُنا صَدِئَتْ على لَحْمِ الْحَديدِ فَكَمْ … نــــاحَ الحَديدُ عَلى جَحـافِلِها فَـلـــَمْ تَقُـــــمِ
تِلْكَ الجَحـافِلُ سَــيِّدي لا سَـــيِّدٌ فيهـــا … يُرْجـى ولا فَطِـنٌ ولا مِنْ ضــــابِطٍ شَـــــهِمِ
رُوحُ الهَزيمَةِ في عُروقِ دِمائِهــا، يَسري … في جُــرْفِ هــاوِيَةٍ هَوَتْ في غَيْهَبِ العَــدَمِ
سَقَطَ الكَلامُ مِنَ الكَلامِ بِهـا ومـا نَهَضَتْ … فيهـــا حِكايَتُنـا وَلـــــَمْ تَنْبِـسْ بِبِنْتِ فَـــــمِ
يا سَـــيِّدي يا سَــــيِّدَ الدُّنْيــا بِأَجْمَعِهـا … أَيْنَ العَــــــزاءُ بِنــــــــا وَأَيْنَ فَرادَةُ الحِــــكَمِ
أَطْفالُنـــا وَنِســاؤنا وَشُــيوخُنا دُفِنــــــوا … تَحْتَ البُيُــوتِ وَفي جَحِيــمِ القَصْفِ والْحِــمَمِ
لا طِفْلَــةٌ تَنْـجُــو وَلا طِفْـــــلٌ وَلا امْــرَأةٌ … لا شيءَ يَنْجـو ســيدي في المَذْبَحِ الصَّــلِمِ
الطــيرُ والأشْـجارُ والأحْجــــارُ والْحَــــيَوا نُ وَحـــــالُنـا كَــــــوْنٌ مِنَ الأَشْـلاءِ والحُطَــــــمِ
مُــدُن مُرَدَّمَـــةٌ على سُــكّانِهـا انْدَثَرَتْ … وَتَسَـلَّقَتْ حَبْـــلَ القَذائِفِ والْجَحيمُ عَـــــمِي
مَنْ لِلأرامِلِ وَهْي تَنْشُجُ في الفَجيعَةِ مَنْ… لِلْوالِدِ المَفْجـوعِ وَهْــوَ يَلــــــوبُ في الرّغَــــمِ
وَرؤوسُ أطْفــــــالٍ وَأطْرافٌ مُقَطَّــــــةٌ … وفُتـــاةُ لَحْــــمٍ صاـرِخٌ في كَـــــفِّ مُنْتَقِــمِ
يا سَــيِّدي خَتـمَ الْيَهُـودُ جَبينَ مُعْتَصِمٍ … بِجُلودِنــــا بِحَـــديدِ مُعْتَصــِـمٍ عَنِ الشِّـــيَمِ
دَمُنـــا فَطِيرَهُمُ وَرَبُّ جُــنودِهِمْ شَــرِهٌ … ومَسـيحُهُمْ يَرْويــهُمُ الغِسْـلينَ وَهْوَ ظَمِـي
بِتْنـــا على وَهَــجِ الشَّـهادَةِ أُمُّنـا أَبُنـا … نَمْشي الْهُوَيْنـا في طَريقِ الشَّـكِ والتُّـــهَمِ
أرواحُنـــا مَوْبُوءَةً بِضَمـــــــائِرَ احْتَطَبَتْ … مِنْ وادِ أَشــــــجارِ الرُّؤى حَـــطَبا مِنَ النِّقَـــمِ
يا حَــرَّها نـــارٌ تَلُـــوبُ بِسـرِّهـا حُرَقــاً … فَوْضى تَفِيـقُ مِنَ الرّمـــادِ ذَبيــحَةَ الشّـــَمَمِ
تَمْشي على حَبْلٍ رَفيعٍ بَيْنَ أَلْسُـنِهـا … وَعَلى بَصِيرتِهــــا السُّـهولُ تَمُـــوجُ بِالْخِيَــمِ
فَوْضى الرَّحِيلِ الْمُــرِّ دائِمَةُ النَّوى لولا … مـا في الْحَيـاةِ مِنَ الْحَيـاةِ وَعَزْمَـةِ الْعَـــــزِمِ
نـــاءَتْ بِنـــا أَقْدامُنـــا وَتَطـاوَلَتْ قِمَـمٌ … شــابَتْ على أَكْتـــافِنـا في غَيْبَـــةِ الْــــــهِرَمِ
آوَتْ إلى أشْـــلائِنا أصْنافُ مـا جَمَعَتْ … دُنْيـــــا الْهَـــوامِ ، وَأولَــــغَتْ بِطَرِيّةِ الرِّمَـــــــمِ
يا سَـــيِّدي يا صَـفَوَةَ النّـُورِ الطَّهورِ وَأنْـــــــــــــــقى الخَلْقِ يا طُــهْرَ الْحَـياةِ وَشــافِعَ الــــــذِّمَمِ
يا مَنْ يَجُـــرُّ النَّصْــــرُ في أذْيالِهِ أُمَمـًا … جَـرَّ الْعُصــاةِ مِنَ الْعُصـــاةِ بسَــوْطِ ذي نَــهَمِ
ارْفَعْ مَقـامَ الطِّفْلِ عَنْ ذَبّاحِـــهِ بِيَــدٍ … إنْ رابَهـــــا كَيْــــــدٌ من الأَحْــزابِ تَنْتَقِــــــمِ
حاجاتُ نَفْـسٍ يا نَبَيَّ اللهِ ذاتُ أَسَـى … مَهْتوكَـــةُ الصِّدْغَيْنِ لا تَصْحـــو وَلَــمْ تَـنَــــــمِ
آوَتْ يُجَلِّلُهــــا الْحَيــاءُ إلى رِحابِكَ تَطْــــــــــــــــلُبُ رَمْيَــــــــةً مِنْ يَـوْمِ بَــــــــدْرٍ ذاتَ مُعْتَـــصَمِ
يا مَنْ رَمَيْتَ فأيْنَهـا الأُخْرى تَذُبُّ دَماً … في أرْضِ جَــــدِّكَ عَنْ سِـلاحٍ مَيِّتِ الرَّحــــِـمِ
يا مَنْ رَمَيْتَ،سَلِمْتَ،نَحْنُ بَقِيَّةُ الآتِي … مِرآةُ أَزْهـــــارِ الصِّبـــــا في ناشِـــفِ الدِّيَــــمِ
نَحنُ الْبَقِيَّة مِنْكَ ، لَمْ نَفْتَرْ ، وَلَمْ نَهْدَأْ … إلاّ لِنَغْسِــــلَ حُــــلْمَ عَوْدَتِنـــا مِنَ الْـــــوَرَمِ
يافــا لَنا ، حَيْفـا لَنا، عَكــا لَنا ، ولَنا الْــــــــــــــــماضي وَمـا يَأْتي وَمـا في الْـــحِبْرِ مِنْ كَـــــلِمِ
ولَنا الشَّهيدُ ابْنُ الشَّهيدَةِ والشَّهيدِ،لَنا … نَحْـنُ اكْتِمالُ الْمَوْتِ في مُسْـتَنْقَعِ السَّـــقَمِ
نَحْنُ الْمُخَيَّمُ والرَّصِيفُ وَنادِلُ الْمَقْهى … وَالْمِنْجَلُ الصّــــاحِي وَمـا في الـــدّارِ مِنْ إِدَمِ
نَحْنُ اقْتِسامُ اللُّقْمَةِ الْحَيْرى بِمَنْ تَأْوي … وَوَحيدُهـا سَـــبُعٌ إذا حَمِيَ الفِداءُ حَـــــمِي
ابْنُ التُّرابِ وَمِنْ نَباتِ الأرْضِ يَحْرُسُـها … أَبَـداً ، ويَخْصفُ حُـــــــلْمَ أبْراهــــــامَ بِاللّــجُمِ
صَلواتُ ربّي والسّلامُ عليكَ في الأزَلِ … مـا آوَت الأرْواحُ تحـتَ اللَّــــــوْحِ والْقــــــــــَلَمِ
*****************
رئيس فرع الزرقاء لرابطة الكتاب الأردنيين