د. شوقي دلال (جمعية محترف راشيا)
.
“الطربوش” هو غطاء للرأس كالقبعة، أحمر اللون أو من مشتقات اللون الأحمر، بين الأحمر الفاتح والأحمر الغامق أو أبيض اللون، وهو على شكل مخروط ناقص تتدلى من جانبه الخلفي حزمة من الخيوط الحريرية السوداء.
نشأ الطربوش في المغرب تم انتقل إلى الامبراطورية العثمانية، يتم ارتداؤه بكثرة في المغرب الأقصى.
يعتبر استخدامه حالياً مقصوراً على مناطق محدودة، وعلى بعض الأشخاص، وربما رجال الدين الذين يضيفون العمة البيضاء أو الملونة السادة أو المنقوشة حول الطربوش.
هناك نوعان من الطرابيش: بعضها يصنع من الصوف المضغوط (اللباد) أو من الجوخ الملبس على قاعدة من القش، أو الخوص المحاك على شكل مخروط ناقص.
وقد يختلف شكل الطربوش ومقاسه من بلد إلى آخر، ففي سوريا ولبنان وفلسطين كان طويلاً وأشد احمراراً منه في تركيا، وقد شهد الثلث الأخير من القرن العشرين طرابيش ذات شهرة عظيمة، منها الأبيش، المهايني، العظمة، البكري، الحسيني، السبيعي، وغيرها.
أما في لبنان، فاشتهر آل حيدر وآل ارسلان وآل الخازن وآل سلام وآل كيروز وغيرهم من كبار العائلات ورجال الحكم بارتداء الطربوش والتفاخر به، حتى قيل إن المسؤول في الوزارة أو في مجلس النواب، إذا لم يكن يرتدي الطربوش فلا يكون على مستوى المسؤولية والجدية في اتخاذ القرارات، حتى أنه كان في بيروت مقهى لا يدخله الشباب إلا إذا اعتمروا الطربوش.
وفي فلسطين، كانت العائلات الفلسطينية الكبيرة المنتشرة على مدن الساحل الفلسطيني، وفي المدن الداخلية مثل القدس ونابلس، ترتدي الطربوش رمزاً للجاه الاجتماعي، والمكانة الدينية والسياسية، وما زال طربوش الحاج أمين الحسيني، الزعيم الفلسطيني الذي قاد ثورة الفلسطينيين قبل عام 1948 حاضراً في الأذهان.
ظل الطربوش مستخدماً في الدول العربية مثل المغرب، مصر، سوريا، فلسطين، لبنان، تونس، الجزائر، وكان ضرورياً لاستكمال المظهر الرسمي إلى أن انتهى استخدامه نهائيا وبقي في سير الذاكرة الشعبية والتراثية.
أما في مصر فاستعمل الطربوش، وبقي منتشراً حتى عام 1952، بعد ذلك انزوى نهائياً، ولم يبق منه سوى الصور التذكارية، وقد اشتهر أفراد العائلات المصرية العريقة بارتداء الطربوش، مثل عائلة سعد زغلول الزعيم الوطني المعروف، وحبيب باشا السعد، وفكري اباظة، رئيس تحرير المصور، وطه حسين ومصطفى لطفي.
وفي دمشق حالياً محلات معدودة لصناعة الطرابيش وترميمها بعدما كان فيها حوالي 400 محل.
يقول البعض إن الطربوش يوناني الأصل، وأتى به الأتراك إلينا، وقد استعملت القبعة الأجنبية بدلاً منه، ثم استبعدت كونها دخيلة على تقاليدنا العربية، وليست من بيئتنا العربية.
يصنع الطربوش من الخام الخاص (الجوخ) ويوضع معه القش الذي يستعمل كعازل للرطوبة ويكسبه متانة، وقد يصنع بدون القش، ولكل رأس قالب خاص يتراوح ما بين 25 سم و 75 سم. لصناعة الطربوش يفصّل الصانع القماش اللازم على القالب، ثم يدخل إليه القش وتركب الشرابة السوداء ويكبس على الستارة، والعملية في مجملها تستغرق نصف ساعة.
أحد أصحاب محلات بيع الطرابيش يقول: ” في الماضي كنا نبيع 6 آلاف طربوش، أما اليوم فأصبح الطربوش من التراث، وكان سعره ليرة ذهبية، أما اليوم فارتفع كثيراً، ويعود ذلك إلى انقراض الطربوش وعدم وجود الصناع.
وكانت مصر إلى عهد محمد على باشا تستورد الطربوش من الخارج، إلى أن أنشأ محمد علي، في إطار برنامجه لتصنيع البلاد واستقلالها، مصنعا للطرابيش في فوة، استغنت مصر به عن الاستيراد. وعندما حطم الغرب دولة محمد علي باتفاقية 1840، كان حريصاً على تفكيك مصانعه بما في ذلك مصنع الطرابيش.
وقد اشتعلت معركة الطربوش على خلفية معركة أخرى أعم وأشمل بحثا عن هوية مصر: هل هي فرعونية ؟ أم إسلامية ؟ أم تنتسب إلى البحر الأبيض المتوسط؟
لم يعد أحد الآن يدعو إلي الطربوش. إلا أن رائحة المعركة القديمة ما زالت تسري في مناخ حاضرنا. سار باحث أو مراقب أو سائح في شوارع العاصمة الأردنية عمان هذه الأيام بحثاً عن شخص يلبس الطربوش فربما لن يعثر على ضالته.
لباس الرأس الشهير الاسطواني الشكل والأحمر اللون في الغالب انقرض من فلسطين والأردن ومصر وسورية، ولم يعد أحد يرتديه كزي رسمي كما كان عليه الحال في العقود الأولى من القرن الماضي.
هذه الحال تكاد ينطبق على بقية البلاد العربية، وعلى العواصم والمدن العربية في فلسطين ومصر وبلاد الشام كافة التي اعتاد أبناؤها من أجيال مضت، وممن لا يزال بعضهم على قيد الحياة، على لبس الطربوش وتفضيله على غيره من أزياء غطاء الرأس الأخرى، مثل الكوفية والغترة والعقال أو الطاقية وغيرها.
كلام الصورة
خواجات بيروت في مقهى يلبسون الطربوش في ستينيات القرن الماضي حيث كانت الأصالة