احتفاليّة الأدب الراقي السابعة – ضمّات ورد… محطّة متقدّمة في مسيرة الأدب المهجريّ الرفيع والحقيقيّ

 

في حفل حاشد وكبير غصّت به صالة سيتي فيو في لاكمبا، كانت محطّة اغترابيّة نوعيّة، بعنوان “ضمّات ورد” مهداة إلى الأديب سليمان يوسف ابراهيم، د. جوزاف ياغي الجميّل، والدكتور عماد يونس فغالي، احتفاء بالتوأمة مع منتدى لقاء في لبنان.

وجرى تكريم نخبة من الأدباء والباحثين والأكاديميّن، في فعاليّة احتفاليّة تليق بالأدب المهجريّ في أستراليا، وتجسّد النقلة النوعيّة الفريدة التي حقّقها مشروع أفكار اغترابيّة، حيث أخرج الأدب من نمطيّة النوع الواحد إلى أنواع، ربّما تكون رقماً قياسيّاً غير مسبوق في تاريخ العرب.

البداية كانت مقطوعات موسيقيّة هادئة من فرقة Arabian Tunes بقيادة عازف الأورغ المبدع حسن فطايرجي، وكريمته فادية على الغيتار، وعلى العود كوستي.

 

 د. عماد يونس فغالي

وانطلقت الفعالية المهرجانية، بكلمة للدكتور عماد يونس فغالي رئيس منتدى لقاء في لبنان، قرأتها الأديبة مريم رعيدي الدويهي، وهذا نصّها:

علاماتٌ تضيء

نلتقي اليومَ في احتفاليّة الأدب الراقي السابعة، احتفاءً بعيد التوأمة مع “لقاء” في لبنان.

نلتقي اليومَ “أفكار اغترابيّة” و”لقاء”، في “ضمّات ورد” الكلمةِ النعرفُها راقيةً، والحبِّ اليُعَرَّفُ بنا واحدًا في الأدبِ الإبداع.

نحتفلُ في هذه العشيّةِ بضمّةِ نُخبةٍ ينالونَ جائزةَ الحبيبِ الدكتور جميل الدويهي للأدب الراقي، بفيضٍ يضُمّهم إلى الدوحة الدويهيّة الفاعلة عُلُوًا. دعوتي من “لقاء”، انضمامُكم يا أحبّةُ إلى النهضةِ الاغترابيّة الثانية، إنْ يكنْ دأبَكم، تتجلَّ الجائزةُ فاعلةً في المصدرِ المُحتفي بكم!

في عَودٍ إلى بَدء، سبعُ احتفاليّاتٍ وبعد. نحنُ في استمرار. العملُ الجَدّيّ في استمراريّتِه، تلك الصاعدةِ… هذا في “أفكار اغترابيّة”. العواملُ الكافلةُ، علاماتٌ حِسّيّةٌ لا تني تُضيء…

“ضمّاتُ وردٍ” عَبرَ محبّتي، وكلَّ عيدٍ والأدبُ الراقي في احتفال!

 

 الأستاذ أنطوان حربيّة

ثمّ كلمة الأستاذ أنطوان حربية، مؤسسة أنطوان حربيّة – ثقافة، معرفة وإنماء، الذي حضر شخصيّاً من ملبورن، وقال في كلمته:

أفكار اغترابية ظاهرة ثقافية، متقدمة، رفيعة، تعدُّ ركناً أساسياً من أركان النسق الثقافي للمجتمعات، ومؤسسُها الدكتور جميل الدويهي لا يُنتجُ أدباً لنفسه، وإنما ينتجُه لمجتمعه منذ تفكيرِه في الكتابة، وفي معجمِه اليومي ، هو نبعُ ماء عذب يُنعش الروح، ويُزيحُ ظلالٓ الجهل.

وتُعتبر المؤلفاتُ الأدبية لهذا المشروع أكثرٓ حاجةً للتشجيع والنشر بقوة، لزرع الحلمِ المستمر. ومن أجل  تعزيز قيمِ الحق والجمال، والدويهي يسعى دائمًا وراء المعرفة والإنماء، وإذا لم نزرع الكلمةٓ الطيبةٓ في قلوب الأجيال، فسيكونُ من الصعب علينا أن نشهدٓ مواسمٓ الرحمةِ في المستقبل، لان أدبٓ الحياةِ هو كتابُ الاخلاقِ والمعرفة. والأديبُ الحقيقي هو الذي يثابر كلّٓ يوم، لخدمة البشرية، وتصويب مسارِها وأفكارِها لخدمة الخير، حتى يُقال نحن إنسانيون.

مشروع أفكار اغترابية ومؤسسُه الدكتور جميل الدويهي، نقيضُ العتمةِ، واليباس. وعندما يأتي الخريف، وتتساقطُ أوراقُه الصفراء، يحمل إلينا الربيعٓ في كتاباته وقصائده، كما طيورُ أيلول ترسمُ في الفضاءِ أجملٓ الصور، على أنغامِ الأخضرِ الهادئ، وفي مدى السماءِ الصافية وسحرِها العميق.

إن الفيلمٓ الوثائقي، الذي انتجناه في ملبورن، بعنوان “من على ضفتين”، عن الأديب الدويهي، يهدِفُ إلى تخليد بعض الأعمال، لأنه لا يمكنُ ان نختصرَ البحرَ في وِعاء، والعطاءَ الكبيرَ في إطارٍ ضيُق؟ وبصفتي منتجاً، أضعُ يدِي على قلبي تحيّةً للجميل، وأفكارِه الاغترابية، عنوانَ حضارةٍ، وفكرٍ، وشموخٍ كجبال اهدن الشاهقة. وهذا العملُ هو فقط عربونُ وفاءٍ لأعماله الجبارة، كيف لا وهو حاملُ راية النهضة الاغترابية الثانية، من أستراليا إلى العالم؟ ألف شكر.

 

د. جوزاف ياغي الجميّل

بعد كلمة حربيّة، كانت كلمة الدكتور جوزاف ياغي الجميّل، الراعي النقديّ الأول لأدبنا المهجريّ، قرأها الأديب د. جميل الدويهي، وجاء فيها:

ألق الياسمين في احتفالية الإبداع الراقي… احتفاليّة الإبداع الدويهيّ، حلم إبداع أم رسالة كرامة؟

في كلّ عام، تتجدّد الذكری. احتفالية نهضة عبرت البحار، علی صهوة أمواج العنفوان.

وخلف ضفاف الحنين، أطلّ فارس يحمل بيمينه صولجان الإبداع النورانيّ، وباليد اليسری أيسراً قرابه المجد والحنين.

جميل ميلاد الدويهي، عظيم أنت، بين مواليد النساء، في سيدني المباركة.

أيتها الأرزة الإهدنيّة التي امتدت جذورها في أعماق المحيط، وراودت المحار عن لآلئ الكرامة، وقالت للزمان قف، ففي سفينة مجدك بحّار عتيق يجيد اصطياد محار الفرح، وأحلام نهضة مهجريّة تطير بأجنحة من عطور قدموسيّة الأريج.

وإلی جانب الفارس الدويهيّ، مريمة البهاء تفوح بأنغام سمراء القباب والياسمين, وخلود بستان إبداعها جنّة كوثريّة العطاء.

ليتنا كنا معكم. وإن كان التمنّي بحجم الحقيقة السندسيّة النجوی.

ولكننا معكم، بالروح لا بالجسد. وليمت الحاسد والحاقد بالحسد.

نحن معكم. نفرح كصديق العريس لفرحكم. نتباهي بخيلاء أننا في زمان أنتم فيه. يقودنا الروح المحيي إلی عالم الإبداع الذي لا يعرف حدوداً، أو سدوداً.

تحيّة لاحتفاليّتكم المباركة، في الرابع من أيلول المعطاء، من خلف جبل التاج، في لبناننا المدمّی بالمحبّة، التوّاق إلی عودتكم الميمونة.

احتفاليّتكم عرس ثقافيّ لا نظير له، متجدّد كل عام، في شهر الغلال. والغلال وفيرة، والحمد لله.

تحيّة لكم، يا أديب النور الأسمی والأسنی.

تحيّة لكم، أيّها الحضور الكرام،  كواكب الشهادة العرفانيّة، تشهدون للحق والحقيقة، وتعلنون قيامة الوطن، من خلف بحار الصباح المتفجّر ألقاً وأنواراً . لكم كامل محبتي، وأصدق أشواقي والتقدير.

 

مريم رعيدي الدويهي

وخلال اللقاء – القمّة، ألقت الأديبة مريم رعيدي الدويهي نصوصاً من مجموعتها الجديدة “شبّاك الغاردينيا”، ومنها نصّ بعنوان “شغفي إليك”:

في وسادتي شيء ٌكالحجر…

نحن ننامُ على القسوة،

وعند الصباحِ نأكلُ رغيفَ العتب…

ننظر إلى الوراء

لأنّنا خائفونَ من أحد

والناسُ يتصوّرونَ في الحديقة

ويركضون خلف أطيافٍ شاردة…

أنا وأنت فقط

في عيونِنا غبار

وفي ثيابِنا أعشاب

ورمالُ دهشة…

تفاجئُني كلّما تبتسم…

أعرفُ كيمياءَ انفعالاتك

وكيف يذوبُ الشمعُ

في رخام يديك…

أنت من احتراقِ الكواكبِ كوكب

وأنا من كتُبٍ غيرِ مألوفة…

أختُم حديثي عنك

بطُرقٍ متعرّجة…

أضمُّك إلى النار…

إلى قمحِ مواعيدي

في دائرةٍ أرسمُها

بالضباب الرماديّ

من عصورٍ مضت…

يأخذُني شغَفي إليك

ومعاً نصيرُ كتابةً من حبرِِ ضوء

ومن حروفِ مَجرّة.

 

ترحيب من الدويهي

ثمّ ألقى الأديب د. جميل الدويهي كلمة ترحيب شاملة، استهلها بالقول إن أفكار اغترابية ليس ظاهرة، بل ظواهر متعدّدة، أهمها: تعدد الأنواع غير المسبوق في تاريخ العرب، ومجانية العطاء، وغزارة الإنتاج، مشيراً إلى تحطيم الرقم القياسي السابق في الاحتفالية الماضية، من حيث عدد الكتب المقدّمة هدايا إلى الحاضرين.

 

 الفرقة الموسيقيّة ومفاجأة

بعد كلمة الدويهي فاجأت الفرقة الموسيقيّة الحاضرين بأغنية جديدة، لحّنها ووزّعها العازف الجميل حسن فطايرجي، وغنّتها شقيقته المطربة لينا، وكانت فعلاً مفاجأة، فاللحن نقل الحاضرين إلى فضاءات الحلم والخيال، وتقول كلمات الأغنية، وهي من تأليف الشاعر د. جميل الدويهي:

الورده اللي سْقَيتا من عيوني

ما فيها الريح المجنونه

تاخدْها وتروح…

من وقت الشفتك وحياتك

شو بتعْمل فيّي نظراتك؟

إنت روح الروح….

بدّي ياك تطلّ عليّي

تا إهرب منّك ما فيّي

بغيابَك صعبِه الغنيّه

وموّالي مجروح.

لو حابِب تسأل عن حالي

وناسي عنواني يا غالي

بيتي فوق الجسر العالي

وشبّاكو مفتوح.

 

 فعاليّات التكريم

في الجزء الثاني من الاحتفاليّة، قدّم الأديب الدكتور جميل الدويهي وعقيلته مريم، جوائز “أفكار اغترابيّة” للأدب الراقي، والميداليات المذهّبة، لسبعة من المبدعين، هم بحسب الترتيب الهجائيّ:

-الأديبة آمنة ناصر- لبنان، استلمت جائزتها السيّدة سو بدر الدين،

  • الأستاذ أنطوان حربيّه – ملبورن،

  • الأديب أنطوان شمعون – لبنان، استلمت الجائزة عنه السيّدة ليلى الطويل،

  • الأديبة باسكال بلاّن النشّار، استلم الجائزة عنها السيّد كريم عبّوشي،

  • الباحث بشّار عزيز الشيخ يحيى – سيدني،

  • الدكتور جورج قسّيس – سيدني،

  • الأديب يوسف طراد – لبنان، استلم الجائزة نيابة عنه الشاعر مارون طراد.

 

 قراءات فكريّة

وتخلّل الحفل أيضاً، برنامج فكريّ وقراءات من كتب الأديب د. جميل الدويهي الفكريّة، توالت على تقديمها السيّدات الأستاذات نادية البدري، ليلى الطويل، وأمال سعيد التي قرأت نصّاً بالانكليزية.

 

الأديب د. جميل الدويهي

وكان الختام مع الأديب د. جميل الدويهي الذي قرأ من خمسة أنواع شعر: العموديّ، التفعيلة، الشعر اللبنانيّ (القصيد والمعنّى والشروقي)، والتفعيلة العاميّة. وأدخل على إحدى قصائده العامّيّة ثلاثة مقاطع من العتابا. وممّا قرأه هذه القصيدة “المسافة” التي تُنشر لأول مرة:

تلك المسافة لم تكن لي عِيدا،

أمضي وأمضي في الطريق وَحيدا

خلْفي العناوينُ التي ودّعتها

فالريح طارت بالبيوت بعيدا

والخبزُ مُرّ علقمٌ، ويريدُني

إن أشتري من مُرّهِ وأزيدا

وحقيقتي هذا العراءُ، فإنّني

متوهّمٌ، لمّا لبستُ جديدا

متباطئاً لاذ الصباحُ بخيمتي

فمنحتُه أرجوحة ونشيدا

قدَمايَ متعبتانِ من هذا المدى

والجرحُ في كفّي ينزّ صَديدا…

لا تتركوني في الشتاءِ مسافراً

فلقد برَى جَسدي، ولستُ حَديدا…

أخذوا بلادي من يدِي، فأنا هنا

أطوي البحارَ جميعَها، والبِيدا…

يا عابراً في الحيّ، هل حيّيْتَني

من بعد ما أمسى الشعورُ جليدا؟

منذ افترقنا، صار وجهي يابساً…

أحيا… ولكنّي قَطعتُ وَريدا.

 

وبعد فقرة الشعر الدويهي، دعي الحاضرون إلى ضيافتين، إحداهما كانت أكبر مجموعة كتب تقدّم هدايا على الإطلاق، ربّما في تاريخ الأدب العالميّ. وقد فوجئ الحاضرون عندما رُفع الغطاء الأبيض عن المعرض. ولولا الشهود والصوَر، لظنّ أغلب الناس أنّ ما يروى لهم، عصيّ على التصديق.

اترك رد