جميل الدويهي: جريمتي الأولى

 

 

من كتاب نصوص فلسفية – النسخة الفرنسية

يصدر قريباً

 

مسحتُ الأرض به. ولا يمكن لأحد أن يتصوّر مقدار العنف الذي جرى على يدي. كنت قاسياً فعلاً، على غير عادتي. أمسكت به من شعره، جررته في السوق. في الوحل جررته، وكان يصيح من الألم، ثمّ نزلت على جسده الهزيل بالعصا. هذه تضرّك وهذه تنفعك، حتّى تلاشى، وتلفّظ بكلمات لم أفهمها… ولعلّه كان يطلب الرحمة او يعتذر عن إساءاته إليّ، وكيف أنّه كان السبب في وحدتي وابتعاد الناس عنّي، حتّى أصبحت منبوذاً، ومطارداً، ومعرّضاً للشتم والطعن والنميمة. وكان ضجيج الناس من حولي كبيراّ. جميعهم بتصايحون ويقولون: اقتله. خلّصنا منه لكي تنجو بنفسك من آثامه، ويعود إليك المحبّون والمنافقون والمتلوّنون… يعودون إليك جميعهم إذا أجهزت عليه… ويصيرون أعزّ الأصدقاء. وأجهزت عليه. لفظَ أنفاسه الأخيرة وأنا صافن، جاحظ العينين، شاحب الوجه، وكنت أمطره باللعنات. وتحوّلتُ من غضبي عليه إلى مجرم. كانت تلك المرّة الأولى في حياتي التي أقتل فيها أحداّ، ارتكبت خطيئتي الأولى في ذلك اليوم العظيم. ولم يكن لديّ خيار آخر، فإمّا أنا أموت ليعيش، وإمّا هو يموت لأعيش، وتبقى لي قطرة ماء وكسرة خبز، في عالم يعطش فيه المساكين، ويجوع الطيّبون…

حضر المحقّقون إلى منزلي، ولم يسألوني عن ظروف الجريمة، بل هنّأوني لشجاعتي، ووعدوني بوسام من رتبة ضابط. وتوافد المشيّعون في المساء، وكانوا يرتدون وجوهاً كثيرة. لم أعرفهم من وجوههم. ولا أصواتهم. كانوا صامتين وشامتين. وكنت أنا صابراً على أقداري التي أوصلتني إلى الهاوية، أحمل فيها جسدي، وأكاد أسقط من التعب…. وعندما دفنته بنفسي في الغابة القريبة، وضعت حجراً من رخام فوق القبر، مكتوباً عليه: هنا يرقد مَن أنهيت فرحه، لأستعيد بعضاً من فرحي… فأرجو من العابرين في هذه الغابة أن يصلّوا ويضيئوا شمعة على نيّة فقيد هذه الأمّة التعيسة، الشهيد البطل نجاحي.

اترك رد