شعراء الزجل مواطنون من الدرجة الأعلى (*)

بقلم: د. عدنان السيّد حسين (رئيس الجامعة اللبنانيّة)

logo ulفي يوم الفرح. يوم الزجل اللبناني. تحتفل الجامعة اللبنانية وخاصة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بإصدار كتاب “روائع الزجل” ليكون مرجعاً للدارسين في مادة الأدب الشعبي. الزجل جزء من ذاكرتنا الشعبية. وعلامة مميزة في فنوننا اللبنانية.

الزجل نتاج مجتمع ريفي. إبن الضيعة. إبن الصخر والوعر.

هو صورة المجتمع اللبناني في نواته القروية والعفوية. هكذا من بلدة سبعل في الشمال إلى بلدة هونين في أقصى الجنوب، مروراً بزان، والباروك، وحراجل، ووادي شحرور، وحومال، وعين عنوب، والدامور، والقماطية، وصولاً إلى حومين وحاروف والشرقية والصرفند …. .

صورة بهية أشرقت على وجه لبنان بألفاظٍ محكيّة تعبّر عن ثقافتنا الريفية.
ثقافة الضيعة من العرزال والشير والمشحرة والقبو والسطيحة والمصطبي، إلى القامة الممشوقة والعيوقة واللبقة، إلى الولف ورجال المروّة وفحطة القلب وسحنة جدي، إلى السكملا والكاره والنير والفدّان والشنغوبي والكركوبي، إلى المهودس والملَغْشَنْ والمشلقح والمشنشل، إلى الطربون والرمعون … .

طوال قرن من الزمان، يجمع هذا الكتاب أروع ما قيل، وأروع ما غنّاه المبدعون والمردّدون والمريدون.

وحتى لا تبقى ذاكرتنا وحدُها شاهدةً على هذا التراث الوطني، جاء هذا الكتاب بطابعه الأكاديمي، فشكراً للأستاذين الكبيرين في كلية الآداب والعلوم الإنسانية الدكتور محمد حمود والدكتور دزيريه سقّال اللذين كتبا بحثاً عن الزجل في نشأته وأنواعه وموضوعاته، فضلاً عن تاريخه من إبن قزمان في بلاد الأندلس إلى الشعراء المنبريين الذين أسهموا في بناء المسرح الزجلي مدماكاً فوق مدماك.adnan--s

والشكر للأستاذ الجامعي الدكتور علي حيدر الذي زوَّدنا بوثائق وأزجالٍ من الذاكرة. والتحية للأستاذ أديب صعب نجل أمير الزجل الثاني وليم صعب الذي اختار مجموعات شيِّقة لوالده ولعدد من الشعراء.

والتحية الأكبر لنقيب شعراء الزجل جورج أبو أنطون الذي زودنا بما عنده من مخطوطات ومطبوعات وصور، وظلَّ متواصلاً معنا في مراحل الإعداد والإشراف.

4والشكر لمن قدّم لنا فكرة في هذا المضمار، شكراً للشعراء جريس البستاني وموسى زغيب وطليع حمدان، وشكراً للنقيب السابق خليل شحرور. وتحية وفاء ومحبة لجوزف الهاشم (زغلول الدامور) أطال الله عمره، وبعد.

قد يطرح سؤال: لماذا اخترتم هذه المجموعة من الشعراء المنبريين؟

بداية نقول: بالتأكيد هناك غيرهم كثر ممن أغنوا زجل بلادنا، بيد أن اختيار هذه المجموعة نابع من دور كل شاعر منها في تأسيس المسرح الزجلي، ومن انتشار زجله على ألسنة العامة، ومن تكوين الجوقات الزجلية البارزة، ومن مشاركة كل واحد منهم في المباريات التي حفظتها ذاكرة جمهور الزجل، ومن عطاءاتهم المتواصلة طول العمر. لهم ولغيرهم ممن أبدع تحية عرفان عابقةً بأريج جبالنا العالية.

من لا يعترف بأمير الزجل رشد نخلة؟ ومن لا يقرّ بدور شحرور الوادي (أسعد الخوري الفغالي)، وعلي الحاج القماطي وأنيس روحانا وكميل خليفة (كروان الوادي) ببناء المسرح الزجلي. ومن لا يقرّ بفضل جيل رائد، جيل خليل روكز وأسعد سعيد وزين شعيب والسيِّد محمد المصطفى وجوزف الهاشم وأنيس الفغالي، وموسى زغيب وجريس البستاني وصولاً إلى خليل شحرور وطليع حمدان وغيرهم.

من منَّا يُنكر أدوار شعراء الأغنية اللبنانية: عبد الجليل وهبي وأسعد سابا، وعبد المنعم فقيه، وأسعد السبعلي وغيرهم. ولا يفوتنا دور طانيوس الحملاوي وعلي الحاج البعلبكي  في إدخال الزجل إلى الإذاعة اللبنانية.

من ينسى طرافه جان رعد؟ من يتناسى دور ميشال القهوجي ووليم صعب وأسعد سابا في إصدار مجلات الزجل، مجلات الأدب الشعبي؟

لعائلات هؤلاء الرواد المبدعين باقة ورود نديّة من الجرد اللبناني.
لا نغالي إذا قلنا بأن هذه المجموعة تجاوزت الفئوية والإنعزال، فكانت وطنية بامتياز تجوب لبنان وبلاد العرب والعالم ناقلة عبقرية الشعر الزجلي إلى العدد الأكبر من الناس. هكذا ينتشر الأدب الشعبي، ويكبر معه لبنان تراثاً وثقافة. والذين تابعوا هذا الفن من الجمهور كانوا الأكثر احتشاداً وحماساً وتفاعلاً.

 من حق نقابة شعراء الزجل أن تطالب بضمانات مادية ومعنوية للمنضوين فيها، ومن واجبات المعاهد والجامعات أن تحفظ هذا التراث الشعبي. شعراء الزجل اثبتوا أنهم مواطنون من الدرجة الأعلى حيثُ لا تمييز ولا تعصّب بل محبة وثقافة ووطنية.

************

(*) ألقيت في الحفلة التي نظمتها  الجامعة اللبنانية في قاعة المؤتمرات في مجمع رفيق الحريري الجامعي في الحدت، لمناسبة صدور كتاب “روائع الزجل” عن دائرة المنشورات في الجامعة اللبنانية، 

كلام الصورة

د. عدنان السيّد جسين

اترك رد